وشهد في اللغة لها أربعة معان:
1 – أنها بمعنى أخبر.
2 – أنها بمعنى اطَّلع على الأمر وعاينه، كما نقول: شهدت فلاناً يصلي في المسجد.
3 – بمعنى حضر، كما تقول: شهدنا جنازة فلان.
4 – بمعنى علم، ومنه قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}. قال أبو الفيض الغماري، رحمه الله تعالى:
" فأما الأول وهو كون شهد بمعنى أخبر فلا تعلق له بالآية أصلاً، وأمّا الثاني وهو كونه بمعنى عاين فباطل بالإجماع لأنه يفيد أنه لم يؤمر بالصيام إلا من رأى الهلال دون غيره كما يفيد وجوبه على من رآه وهو ليس من أهله كالصبي، وأما الثالث فهو الذي ذهب إليه أكثر المفسرين والفقهاء، وقالوا في الآية: معناها فمن حضر منكم الشهر أن دخل عليه الشهر وهو حاضر مقيم".
ثم ضعف هذا القول الأخير وأورد عليه إيرادات، ثم قال:
" وأما المعنى الرابع وهو أن شهد بمعنى علم فهو الواجب المتعين في الآية، أي فمن علم منكم الشهر فليصمه لأنه لا يحتاج إلى إضمار ولا تقدير ولا يلزم عليه محال ولا خلاف لأصول الشريعة، فكل من علم بالشهر وجب عليه الصوم إلاّ ما استثناه الشارع".
وهذا الذي أيده من أن شهد هنا بمعنى علم هو قول الإمام أبي بكر الجصّاص الحنفي والإمام أبي محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي وزاد ابن قدامة: "وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان شهادة الثقات فوجب صومه على جميع المسلمين، ولأن شهر رمضان ما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدين ووقوع الطلاق والعتاق ووجوب النذور وغير ذلك من الأحكام فيجب صومه بالنص والإجماع" اهـ.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ}.
قال الغماري: " فإنه أمر بصيام جميع رمضان وإكمال عدة أيامه، ومن أفطر يوماً بعد ثبوته فما أكمل عدته بل صام ثمانية وعشرين يوماً منه والتاسع والعشرون صامه من شوال الذي هو يوم العيد عند المسلمين، وإن كان الشهر ثلاثين فإنه صام تسعاً وعشرين والثلاثون صامه من شوال أيضاً".
ثم قال: "قال أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن": وإذا صام أهل مصر للرؤية تسعة وعشرين يوماً وأهل مصر آخر للرؤية ثلاثين يوماً فقد أوجب أصحابنا على الذين صاموا تسعة وعشرين يوماً قضاء يوم لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} فأوجب إكمال عدة الشهر وقد ثبت برؤية أهل بلد أن العدة ثلاثون يوماً، فوجب على هؤلاء إكمالها لأن الله لم يخص بإكمال العدة قوماً دون قوم فهو عام في المخاطبين".
الدليل الثالث من القرآن: قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}.
قال الغماري: " والشهر هو الهلال أو ما بين الهلالين. قال الفخر الرازي: الشهر مأخوذ من الشهرة، يقال: شهر الشيء يشهر شهره وشهراً إذا ظهر، وسمّي الشهر شهرا لشهرة أمره لأن حاجات الناس ماسة إلى معرفته بسبب أوقات ديونهم وقضاء نسكهم في صومهم وحجهم"هـ" هـ.
ومثله الدليل الرابع والخامس: وهو قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}.
معنى هذه الآيات أن الله تعالى جعل الشهر مضبوطاً حتى نحسب به ونضبط به مواعيدنا، ومن قال باختلاف الأهلة لا ينضبط له شيء من ذلك، وهذا الذي وقع اليوم حتى تعذر بذلك من تفرنج وتشبه بالمشركين والنصارى فترك التاريخ العربي الهجري الإسلامي وجعل يؤرخ بتاريخ الإفرنج، والله المستعان.
وأما الدليل من السنة فهو ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأسانيد الصحيحة من حديث ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وأبي بكرة ورافع بن خديج وطلق بن علي وعائشة وحذيفة والبراء بن عازب ورجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلوات ربي وسلامه عليه قال: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ).
قال الحافظ الغماري رحمه الله تعالى:
¥