الاعتراض , لأن حق الأولياء لا يتجزأ , وهو دفع العار , فجعل كل واحد منهم كالمنفرد , لأنه صح الإسقاط في حقه , فيسقط في حق غيره ضرورة عدم التجزؤ , كالعفو عن القصاص , بخلاف ما إذا رضيت ; لأن حقها غير حقهم , إذ أن حقها صيانة نفسها عن ذل الاستفراش , وحقهم دفع العار , فسقوط أحدهما لا يقتضي سقوط الآخر , وقال أبو يوسف: للباقين حق الاعتراض ; لأنه حق ثبت لجماعتهم , فإذا رضي أحدهم فقد أسقط حقه وبقي حق الآخرين , وإن كان الولي المعترض أقرب من الولي الذي رضي فله حق الاعتراض. وروى الحسن عن أبي حنيفة - وروايته هي المختارة للفتوى عند الحنفية - أن المرأة إذا تزوجت بغير كفء لم يجز ولا يصح العقد أصلا , قال السرخسي: وهو أحوط , فليس كل ولي يحسن المرافعة إلى القاضي , ولا كل قاض يعدل , فكان الأحوط سد هذا الباب , وقال في الخانية: هذا أصح وأحوط. وقد نقل الكمال بن الهمام عن أبي الليث: أن للمرأة التي زوجت نفسها من غير كفء أن تمتنع عن تمكينه من وطئها ; لأن من حجة المرأة أن تقول: إنما تزوجتك على رجاء أن يجيز الولي , وعسى أن لا يرضى , فيفرق وقال المالكية - كما حكى البناني إذا تزوجت المرأة من غير كفء في الدين , فيتحصل في العقد ثلاثة أقوال: أحدها: لزوم فسخه لفساده , وهو ظاهر اللخمي وابن بشير وغيرهما. الثاني: أنه نكاح صحيح , وشهره الفاكهاني. الثالث: لأصبغ: إن كان لا يؤمن عليها منه رده الإمام وإن رضيت به. وقال البناني: وظاهر كلام الحطاب أن القول الأول هو الراجح. ونقل الحطاب عن ابن فرحون أنه قال في تبصرته: من الطلاق الذي يوقعه الحاكم بغير إذن المرأة وإن كرهت إيقاعه نكاحها الفاسق , وعقب الحطاب بقوله: سواء كان فاسقا بالجوارح أو بالاعتقاد , وظاهر كلامهم أنه يفسخ مطلقا بعد الدخول وقبله , ثم قال: وأما الحال - أي تخلف الكفاءة بسبب الحال وليس بسبب الدين - فلا إشكال أن للمرأة ووليها إسقاطه. وقال الشافعية: لو زوج الولي المنفرد المرأة غير كفء برضاها , أو زوجها بعض الأولياء المستوين غير كفء برضاها ورضا الباقين ممن في درجته , صح التزويج ; لأن الكفاءة حقها وحق الأولياء - كما سبق - فإن رضوا بإسقاطها فلا اعتراض عليهم. ولو زوجها الولي الأقرب غير كفء برضاها فليس للأبعد الاعتراض ; إذ لا حق له الآن في التزويج. ولو زوجها أحد الأولياء المستوين في الدرجة بغير الكفء برضاها دون رضاء باقي المستوين لم يصح التزويج به ; لأن لهم حقا في الكفاءة , فاعتبر رضاهم - ويستثنى ما لو زوجها بمن به جب أو عنة برضاها , فإنه يصح - وفي قول: يصح ولهم الفسخ ; لأن النقصان يقتضي الخيار لا البطلان , كما لو اشترى معيبا. ويجري القولان في تزويج الأب أو الجد بكرا صغيرة أو بالغة بغير رضاها من غير كفء , وفي الأظهر: التزويج باطل ; لأنه على خلاف الغبطة ; لأن ولي المال لا يصح تصرفه بغير الغبطة , فولي البضع أولى , وفي الآخر: يصح , وللبالغة الخيار في الحال , وللصغيرة إذا بلغت , ويجري الخلاف في تزويج غير المجبر إذا أذنت في التزويج مطلقا. ولو طلبت من لا ولي خاصا لها أن يزوجها السلطان أو نائبه بغير كفء ففعل لم يصح تزويجه في الأصح ; لأنه نائب المسلمين ولهم حظ في الكفاءة , والثاني: يصح كالولي الخاص , وصححه البلقيني. ولو كان للمرأة ولي خاص , ولكن زوجها السلطان لغيبته أو عضله أو إحرامه , فلا تزوج إلا من كفء قطعا ; لأنه نائب عنه في التصرف , فلا يصح التزويج من غير كفء مع عدم إذنه. ولو كان الولي حاضرا وفيه مانع من فسق ونحوه وليس بعده إلا السلطان , فزوج السلطان من غير كفء برضاها فظاهر إطلاقهم طرد الوجهين.
(ادعاء المرأة كفاءة الخاطب): 22 - وإذا ادعت المرأة كفاءة الخاطب وأنكرها الولي رفع الأمر إلى القاضي , فإن ثبتت كفاءته ألزمه تزويجها , فإن امتنع زوجها القاضي به , وإن لم تثبت كفاءته فلا يلزمه تزويجها به , نص على ذلك ابن المقري والأنصاري من الشافعية.
¥