-قوله لا يؤمن أي إيمانا كاملا
-وذكر الولد والوالد أدخل في المعنى لأنهما أعز على العاقل من الأهل والمال بل ربما يكونان أعز من نفسه ولهذا لم يذكر النفس أيضا
-والمراد الاعزة كأنه قال أحب إليه من اعزته وذكر الناس بعد الوالد والولد من عطف العام على الخاص وهو كثير وقدم الوالد على الولد في رواية لتقدمه بالزمان والإجلال وقدم الولد في أخرى لمزيد الشفقه
-وهل تدخل النفس في عموم قوله والناس أجمعين الظاهر دخوله وقيل إضافة المحبة إليه تقتضي خروجه منهم وهو بعيد وقد وقع التنصيص بذكر النفس في حديث عبد الله بن هشام
-المراد بالمحبة هنا حب الاختيار لا حب الطبع قاله الخطابي
-وقال النووي فيه تلميح إلى قضية النفس الأمارة والمطمئنه فإن من رجح جانب المطمئنة كان حبه للنبي صلى الله عليه وسلم راجحا ومن رجح جانب الأمارة كان حكمه بالعكس
-وفي كلام القاضي عياض أن ذلك شرط في صحة الإيمان لأنه حمل المحبة على معنى التعظيم والإجلال وتعقبه صاحب المفهم بأن ذلك ليس مرادا هنا لأن اعتقاد الأعظمية ليس مستلزما للمحبة إذ قد يجد الإنسان اعظام شيء مع خلوه من محبته قال فعلى هذا من لم يجد من نفسه ذلك الميل لم يكمل ايمانه وإلى هذا يومئ قول عمر الذي رواه المصنف في الإيمان والنذور أن عمر بن الخطاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم لأنت يا رسول الله أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي فقال لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر فإنك الآن والله أحب إلى من نفسي فقال الآن يا عمر انتهى فهذه المحبة ليست باعتقاد الاعظميه فقط فإنها كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعا
-ومن علامة الحب المذكور أن يعرض على المرء أن لو خير بين فقد غرض من اغراضه أو فقد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كانت ممكنه فإن كان فقدها أن لو كانت ممكنة أشد عليه من فقد شيء من أغراضه فقد اتصف بالأحبية المذكورة ومن لا فلا وليس ذلك محصورا في الوجود والفقد بل يأتي مثله في نصرة سنته والذب عن شريعته وقمع مخالفيها ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
-وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة التفكر فإن الاحبية المذكورة تعرف به وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الافات هذا هو حقيقة المطلوب وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفه حالا ومالا فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم لأن هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم والله الموفق
-وقال القرطبي كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم إيمانا صحيحا لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة غير إنهم متفاوتون فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى كمن كان مستغرقا في الشهوات محجوبا في الغفلات في أكثر الأوقات
-وجوب محبة الله ورسوله
-فيه أن لله يدا
-فيه جواز الحلف بصفات الله
-فيه أن الأنفس بيد الله
-قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: وفيه دليل على جواز اليمين وانعقادها بقوله: والذي نفسي بيده ونحو هذه الصيغة، من الحلف بما يدل على الذات، ولا خلاف في هذا، قال أصحابنا: اليمين تكون بأسماء الله تعالى وصفاته، أو ما دل على ذاته، قال القاضي: واليد هنا بمعنى القدرة والملك
-وقال ابن حجر في الفتح:هو قسم كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقسم به، والمعنى أن أمر نفوس العباد بيد الله، أي بتقديره وتدبيره
-وفيه جواز القسم على الأمر الذي لا شك فيه تنبيها على عظم شأنه
-وفيه الرد على من كره أن يحلف على الله مطلقا
-قال الشنقيطي في أضواء البيان: المحبة هي عنوان الإيمان الحقيقي كما قال صلى الله عليه وسلم "والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين"
فإن حقيقة المحبة طاعة من تحب وفعل ما يحبه وترك ما لا يرضاه أو لا يحبه
-قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: قال الإمام أبو سليمان الخطابي: لم يرد به حب الطبع،بل أراد به حب الاختيار، لأن حب الإنسان نفسه طبع ولا سبيل إلى قلبه. قال: فمعناه لا تصدق في حبي حتى تفني في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك .. وقال ابن بطال، والقاضي عياض، وغيرهما رحمة الله عليهم: المحبة ثلاثة أقسام محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس فجمع صلى الله عليه وسلم أصناف المحبة في محبته. قال ابن بطال رحمه الله: ومعنى الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي صلى الله عليه وسلم آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن به صلى الله عليه وسلم استنقذنا من النار، وهدينا من الضلال. قال القاضي عياض رحمه الله: ومن محبته صلى الله عليه وسلم نصرة سنته، والذب عن شريعته، وتمني حضور حياته، فيبذل ماله ونفسه دونه. قال: وإذا تبين ما ذكرناه تبين أن حقيقة الإيمان لا يتم إلا بذلك، ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد، وولد، ومحسن، ومفضل. ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه، فليس بمؤمن، والله أعلم
وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
¥