الاقتداء به، لما قلنا أن العبرة لرأي المقتدي، وأنه لم ير الاقتداء به جائزاً، فوجب القول بعدم الجواز، فإن - صلى الله عليه وسلم - معه يعيد. صرح به الصدر الشهيد. وهذا هو الأصل الذي لا محيد عنه للحنفي فإنه إما أن يسلم هذا الأصل أو لا، فإن كان الثاني فلا خطاب معه لتركه المذهب، وإن كان الأول فلا محيص عنه أو يسلم في مسائل دون أخرى، فيحتاج إلى الفرق.
ثم إنه رحمه الله تعالى سرد نقولاً عديدة، ثم قال: اعلم أنه احتاط جميع مواضع الخلاف ولم يعلم منه مفسد، هل يجوز الاقتداء به، بلا كراهة أو بها؟ وهل عليه إساءة أم لا ففي الكفاية شرح الهداية وشرح المجمع ومفتاح السعادة أنه مع الكراهة. وفي فتاوى قاضي خان: ومع هذا لو صلى الحنفي خلف الشافعي كان مسيئاً وفي بعض كتب أخر: يكره خلف المحترز عما يبطلها عندنا وهو المختار. ثم قال رحمه الله تعالى: القول الثاني: أنه يجوز الاقتداء بالشافعي إذا لم يعمل منه المخالفة فيما تقدم من الشروط، وهذا القول مختار ركن الإسلام على السغدي وذكره التمرتاشي وصححه شيخ الإسلام خواهر زاده.
القول الثالث: أنه لا يجوز الاقتداء به مطلقاً وإن راعى مواضع الخلاف لأنه لا يؤدي ذلك بنية الفرض.
القول الرابع: أنه يجوز الاقتداء به مطلقاً، قياساً على قول أبي بكر الرازي من صحة الاقتداء بمن رعف. ثم اعلم أن هذا القول انفرد به الرازي وخالفه جمهور العلماء، فلهذا قال صاحب الإرشاد: لا يجوز الاقتداء به، أي بالشافعي في الوتر بإجماع أصحابنا، يعني إذا سلم على رأس الركعتين. وقال الزيلعي: وهو الصحيح. ولم يعتبر قول الرازي لمخالفة الأكثر. حتى قال صاحب الدرر: وخلاف الواحد في مسألة واحدة لا يكون معتبراً، ويكون رداً عليه.
والحاصل أن الاحتجاج بقول الرازي لا يكاد يصح لمرجوحيته. وقد قالوا: المرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة المعدوم. انتهى كلام السعدي - رحمه الله تعالى: باختصار، وتمامه مفصل هناك. وقال الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي رحمه الله تعالى في كتابه " تصحيح القدوري ": إني قد رأيت من عمل في مذهب أئمتنا بالتشهي، حتى سمعت من لفظ بعض القضاة: وهل ثمّ حجر؟ فقلت: نعم. اتباع الهوى حرام، والمرجوح في مقابلة الراجح بمنزلة العدم، والترجيح بغير مرجح في المتقابلات ممنوع. انتهى.
وقد ذكر الشيخ محمد بن فروخ المكي في رسالته قول الرازي هذا، وبنى رسالته عليه، واعتمده كما صرح بذلك فيها حيث قال: وهذا القول - يعني قول الرازي - هو المنصور دراية، وإن اعتمد خلافه رواية عندنا، وهو الذي أميل إليه وعليه يتمشى ما ذهبنا إليه في هذه الوريقات، انتهى كلامه. فهذا هو التشهي واتباع المروح، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. واستدل في رسالته المذكورة على جواز الاقتداء بالمخالف من غير مراعاة منه لمواضع الخلاف كما هو مقتضى كلامه فيها بما كانت عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من أنهم كانوا يقتدي بعضهم ببعض، وكذا التابعون وفيهم المجتهدون بلا نكير منهم في ذلك، وقد ترك الاستدلال بنقول المذهب الصريحة وعدل إلى الاستدلال بما كانت عليه الصحابة؛ فيقال له: كانت الصحابة - رضي الله عنهم - مجتهدين بصريح قولك، وأنت تابع لمجتهد آخر هو أبو حنيفة مثلاً، فكيف تقيس اجتهادهم على اجتهاد أبي حنيفة؟ فقد كانت مذاهبهم تقتضي ذلك، ومذهبك لا يقتضيه، مع أنه لم يثبت عنهم الاجتهاد على ذلك إلا بطريق الإجمال، ومن أنهم كانوا يصلون كلهم بالجماعة لا منفردين، ونحن لا نعلم كيف كانوا على وجه التفصيل، فلا يصح الاستدلال بذلك في مقابلة الصريح من المذهب كما رأيت، ومذاهب الصحابة لا يجوز تقليدها الآن كما قدمنا عن إمام الحرمين، بل لا يجوز تقليد غير المذاهب الأربعة كما سبق والله أعلم.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[31 - 12 - 07, 05:35 م]ـ
أخي الإفريقي بارك الله فيك
نعلم هذا، ولكن هذا خلاف الصحيح، وقد بينا فعل السلف الصالح، ومثل هذه الأقوال فيها تنفير بين المسلمين وهو خلاف مقصود الشرع من عدم التفرق ..
وقد رأيتَ ما نقلناه عن أبي يوسف رحمه الله .. ولا عبرة بغير الدليل من الكتاب والسنة والإجماع، وأقوال العالِم -وإن كانت مرجع طالب العلم- ليست دليلاً أوجب الله تعالى علينا اتباعه دون حيدة عنه إلى قول غيره.
ـ[أبو محمد الإفريقي]ــــــــ[31 - 12 - 07, 05:51 م]ـ
الأخ أبو يوسف
ليس هذا بحثا حول رإيي أو رأيك في المسألة
الأخ محمد زين سأل عن موقف الأحناف حول هذه المسألة وما ذكرت أنا هو المذهب عندنا
أما ما ذكرت أنت فهو رأيك الخاص وليس المذهب الحنفي
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[31 - 12 - 07, 06:28 م]ـ
وأضاف إلى ذلك أنه قال: وما هو موقف العلماء اللذين لا يرون المسح في هذه المسألة؟
ولا أظنك تقصر هذه اللفظة: (العلماء) على الأحناف المتأخرين أو أصحاب هذا المذهب دون غيرهم من علماء الملة.
بارك الله فيك ووفقك وسددك
¥