وصحَّ عن أسماء أنها قالت: كنت أخدِمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ البَيْتِ كُلِّه، وكان لَه فَرَسٌ وكُنْتُ أَسُوسُه، وكُنْتُ أَحْتشُّ لَهُ، وأَقُومُ عَلَيْهِ.
وصحَّ عنها أنها كانت تَعْلِفُ فرسَه، وتَسْقِى الماءَ، وتَخْرِزُ الدَّلْوَ وتَعْجِنُ، وتَنْقُلُ النَّوى عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَرضٍ لَهُ عَلَى ثُلُثَى فَرْسَخ.
فاختلف الفقهاءُ فى ذلك، فأوجب طائفةٌ مِن السَّلفِ والخَلَفِ خِدمَتها له فى مصالح البيت، وقال أبو ثور: عليها أن تَخْدِمَ زوجها فى كل شىء، ومنعت طائفةً وجوبَ خدمته عليها فى شىء، وممن ذهب إلى ذلك مالك، والشافعى، وأبو حنيفة، وأهلُ الظاهر، قالوا: لأن عقدَ النكاح إنما اقتضى الاستمتاع، لا الاستخدام وبذل المنافع، قالوا: والأحاديث المذكورة إنما تدلُّ على التطوُّع ومكارِمِ الأخلاق، فأين الوجوبُ منها؟
واحتج من أوجب الخدمة، بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه، وأما ترفيهُ المرأةِ، وخدمةُ الزوج، وكنسُه، وطحنُه، وعجنُه، وغسيلُه، وفرشُه، وقيامُه بخدمة البيت، فَمِنَ المنكر، واللَّه تعالى يقول: {ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَليْهنَّ بِالمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] وقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلى النِّسَاءِ} [النساء: 34] وإذا لم تخدِمْه المرأةُ، بل يكون هو الخادِمَ لها، فهى القَوَّامَةُ عليه.
وأيضاً: فإن المهر فى مقابلة البُضع، وكُلٌّ مِن الزوجين يقضى وطرَه مِن صاحبه فإنما أوجبَ الله سبحانه نفقتَها وكُسوتها ومسكنَها فى مقابلة استمتاعه بها وخدمتها، وما جرت به عادةُ الأزواج.
وأيضاً فإن العقود المطلقة إنما تُنَزَّلُ على العرف، والعُرفُ خدمةُ المرأة، وقيامُها بمصالح البيت الداخلة، وقولُهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعاً وإحساناً يردُّه أن فاطمة كانت تشتكى ما تلقى مِن الخِدمة، فلم يَقُلْ لعلتى: لا خِدمة عليها، وإنما هى عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يُحابى فى الحكم أحداً، ولما رأى أسماء والعلفُ على رأسها، والزبيرُ معه، يقل له: لا خِدمةَ عليها، وأن هذا ظلمٌ لها، بل أقرَّه على استخدامها، وأقرَّ سائِرَ أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارِهَة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه.
ولا يَصِحُّ التفريقُ بين شريفة ودنيئة، وفقيرةٍ وغنية، فهذه أشرفُ نساء العالمين كانت تَخْدِمُ زوجها، وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكُو إليه الخدمة، فلم يُشْكِهَا، وقد سمَّى النبىُّ صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح المرأة عانيَةُ، فقال: ((اتَّقُوا اللَّهَ فى النّساءِ، فإِنَّهُنَّ عَوانٍ عِنْدَكُم)). والعانى: الأسير، ومرتبة الأسير خدمةُ من هو تحت يده، ولا ريبَ أن النكاح نوعٌ من الرِّق، كما قال بعضُ السلف: النكاح رِق، فلينظر أحدُكم عند من يُرِقُّ كريمته، ولا يخفى على المنصف الراجحُ من المذهبين، والأقوى من الدليلين). اهـ
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في كتاب: آداب الزفاف:
(وجوب خدمة المرأة لزوجها
قلت: وبعض الأحاديث المذكورة آنفاً ظاهرة الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك، وقد اختلف العلماء في هذا ... ) ثم ذكر بعضا من كلام شيخ الإسلام في المسألة ثم علق قائلا:
(قلت: وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى؛ أنه يجب على المرأة خدمة البيت، وهو قول مالك وأصبغ كما في ((الفتح)) (9/ 418)، وأبي بكر بن أبي شيبة، وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في ((الاختيارات)) (ص145)، وطائفة من السلف والخلف، كما في ((الزاد)) (4/ 46)، ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلاً صالحاً.
وقول بعضهم: ((إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام، مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضاً بزوجها، فهما متساويان في هذه الناحية، ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئاً آخر لزوجته، ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها، فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضاً لزوجها، وما هو إلا خدمتها إياه، ولا سيما أنه القوّام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق، وإذا لم تقم هي
[217]
¥