تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بأنه قد تقدم بيان صحة إسناد هذا الخبر، والقاعدة في الأصول: [أن مخالفة الخبر لخبرٍ أقوى منه إسناداً لا يقدح في ثبوته]، وبعبارة أخرى: [إذا وقع التعارض في الظاهر بين خبرين ولو كانا متفاوتين في قوة الإسناد فالعمل على الجمع لا الترجيح]، وتأييد كاتب الرسالة تقديمه حديث عتبان رضي الله عنه على حديث الأعمى بما ذكر من الآية ليس بشيء، لأن القاعدة في الأصول: [إذا وقع التعارض في الظاهر بين الكتاب والسنة فالعمل على الجمع لا الترجيح].

انظر: [فواتح الرحموت (392/ 2)، شرح التنقيح (ص: 420)، البدر الطالع (344/ 2)، شرح الكوكب المنير (628/ 4)].

ومأخذ القاعدتين السابقتين: قرره الإمام أبو محمد ابن حزم -رحمه الله- في الإحكام (174/ 1) حيث قال: "ويبين صحة ما قلنا من أنه لا تعارض بين شيء من نصوص القرآن ونصوص كلام النبي صلى الله عليه وسلم وما نقل من أفعاله قول الله عز وجل مخبرا عن رسوله عليه السلام: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)، وقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، وقال تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)، فأخبر عز وجل أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم وحي من عنده، كالقرآن في أنه وحي، وفي أنه كل من عند الله عز وجل، وأخبرنا تعالى أنه راض عن أفعال نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنه موفق لمراد ربه تعالى فيها لترغيبه عز وجل في الائتساء به عليه السلام، فلما صح أن كل ذلك من عند الله تعالى، ووجدناه تعالى قد أخبرنا أنه لا اختلاف فيما كان من عنده تعالى - صح أنه لا تعارض، ولا اختلاف في شيء من القرآن والحديث الصحيح، وأنه كله متفق كما قلنا ضرورة، وبطل مذهب من أراد ضرب الحديث بعضه ببعض، أو ضرب الحديث بالقرآن، وصح أن ليس شيء من كل ذلك مخالفا لسائره، علمه من علمه، وجهله من جهله ".

وبناء على ما سبق فالبحث في المخالفة المدعاة بين حديث عتبان رضي الله عنه وحديث الأعمى الذي نحن بصدده من شأن الدلالة لا من شأن الثبوت، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الفقرة التالية تقرير الموافقة بينهما، وتزييف المخالفة.

.............................. .............................. .....................

القسم الثاني:

>:

(1) - في هذا الحديث دليل على وجوب صلاة الجماعة ((حكمٌ تكليفي))، وبهذا قال بعض الحنفية، وهو وجه عند الشافعية، قال به: ابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان، وهو مذهب الحنابلة، والظاهرية.

انظر: [البناية للعيني الحنفي (381/ 2)، المجموع للنووي الشافعي (184/ 4)، صحيح ابن خزيمة (368/ 2)، الإقناع لابن المنذر (111/ 1)، صحيح ابن حبان (411/ 5)، الإنصاف للمرداوي الحنبلي (210/ 2)، المحلى لابن حزم الظاهري (188/ 4)].

ومأخذ الحكم من الحديث من قوله: "فأجب" فهذا أمر، والقاعدة في الأصول: [أن الأمر المطلق للوجوب]، هذا تقرير الوجوب في حق الأعمى دون غيره، إذ الخطاب موجه إليه، وأما تقريره في حق سائر الأمة فيقال في ذلك: ثبت الوجوب في حق بعض الأمة (أي: الأعمى)، والقاعدة في الأصول: [أن ما ثبت في حق بعض الأمة يثبت في حق جميعها ما لم يرد دليل بخلافه]، ولا دليل!، النتيجة: صلاة الجماعة واجبة على سائر الأمة.

وقرر بعضهم الوجوب على سائر الأمة من جهة الإلحاق الأولوي، ووجه ذلك: أنه ثبت الوجوب في حق الأعمى الذي لا يجد قائدا يقوده إلى المسجد، فثبوته في حق غيره من المبصرين من باب أولى، والقاعدة في الأصول: [أن الإلحاق الأولوي حجة في إثبات الأحكام الشريعة].

انظر: [المغني لابن قدامة (6/ 3)].

وأجيب عنه بجوابين:

((الجواب الأول)): أن الأمر الوارد في هذا الحديث مصروف من الإيجاب إلى الندب، والصارف له حديث عتبان بن مالك -رضي الله عنه- المخرج في الصحيحين، والذي قد تضمن إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- له على ترك صلاة الجماعة بسبب العمى، والقاعدة في الأصول: [أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز]، ومن ثم يحمل الأمر في هذا الحديث على الندب، إذ القاعدة في الأصول: [أن إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن ترك المأمور به دليل على صرف الأمر من الإيجاب إلى الندب].

ونوقش هذا الجواب بما يلي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير