2 - أن حديث الأعمى يدل على الوجوب من باب المنطوق، والحديث المذكور في الجواب يدل على عدمه من باب المفهوم، والقاعدة في الأصول –عند المخالف-: [أن المنطوق مقدم على المفهوم عند التعارض]، ومأخذه في ذلك: أنه أقوى، ووجه قوته: عدم وقوع الخلاف في اعتباره بخلاف الآخر.
انظر: [المعونة للشيرازي (ص:276)، المحصول للفخر الرازي (2/ 2/579)، مفتاح الأصول للشريف التلمساني (ص: 638)].
((فائدة)):
قرر بعض العلماء وجوب إتيان الجماعة بسماع النداء مباشرة من الفاء في قوله: "فأجب"، إذ القاعدة في الأصول: [أن الفاء تفيد الترتيب والتعقيب]، والتعقيب: وقوع ما بعدها في إثر ما قبلها.
وأجيب عنه:
بأن الفاء هنا ليست عاطفة، بل هي جوابية تفيد الربط، إذ قد وقعت جوابا لشرط مقدر، والقاعدة في الأصول:
[أن الفاء الجوابية لا تفيد التعقيب] ومأخذ هذه القاعدة: قوله تعالى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ}، ووجه الاستدلال: أن الإسحات لا يقع عقب الافتراء، وإنما يتأخر إلى الآخرة.
انظر: [إحكام الفصول للباجي (308/ 1)].
ونوقش هذا الجواب:
بأن الصحيح من أقوال الأصوليين أن الفاء الرابطة للجواب تفيد التعقيب أيضا، وأجابوا عن الاستدلال بالآية بأنه مجاز، لأن الإسحات لما تحقق وقوعه نزل منزلة الواقع عقبه.
انظر: [البحر المحيط (264/ 2)].
.............................. .............................. .........................
(5) – في الحديث دليل على وجوب صلاة الجماعة في المسجد، وبهذا قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى- في رواية- ليست المشهورة في المذهب - اختارها الإمام ابن تيمية –رحمه الله-، وهو مذهب الظاهرية.
انظر: [المغني لابن قدامة (3/ 8)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (23/ 254)، المحلى لابن حزم (4/ 188)].
ومأخذ الوجوب قد تقدم تقريره، وأما مأخذ كونه متعلقا بالمسجد فمن قوله "فأجب" أي: النداء الذي في المسجد كما يظهر من السياق، والإجابة في اللغة بمعنى الطاعة والامتثال، ولا يكون ذلك إلا بأداء الصلاة في المسجد مع الإمام، والقاعدة في الأصول: [أن اللغة معتبرة في تفسير كلام الشارع].
وأجيب عنه:
بأنه قد قام الدليل على أن الأمر بإجابة النداء للندب لا للإيجاب، وهو حديث عائشة –رضي الله عنها- في الصحيحين وغيرهما، وفيه أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك، فصلى جالسا، وصلى وراءه قوم قياما ... الحديث. انظر: [المغني لابن قدامة (3/ 8)].
ومأخذ ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على ترك الصلاة في المسجد، والقاعدة في الأصول: [أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز]، ومن ثم يحمل الأمر في هذا الحديث على الندب، إذ القاعدة في الأصول: [أن إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن ترك المأمور به دليل على صرف الأمر من الإيجاب إلى الندب].
ونوقش هذا الجواب:
أنه لم يرد في الحديث هل كانت الصلاة فريضة أم نافلة؟!، وهو محتمل للأمرين، والقاعدة في الأصول: [أن الاحتمال -أي المساوي- يسقط الاستدلال]، ولا يقال بأنه عام في الفريضة والنافلة، وذلك لأنه فعل، والقاعدة في الأصول: [أن الفعل لا عموم له].
وردت هذه المناقشة:
بأنه قد جاء عند أبي داود وغيره من حديث جابر –رضي الله عنه- أنها كانت صلاة فريضة، ولفظه: "ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرسا بالمدينة فصرعه على جذم نخلة فانفكت قدمه، فأتيناه نعوده، فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالسا، قال: فقمنا خلفه فسكت عنا، ثم أتيناه مرة أخرى، نعوده فصلى المكتوبة جالسا، فقمنا خلفه فأشار إلينا، فقعدنا ... " الحديث.
وإذا تقرر ذلك فلا يجب صلاة الجماعة في المسجد.
وأجيب عن هذا الرد من وجهين:
الأول / أن هذا الحديث من رواية أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر رضي الله عنه، وهي صحيفة (أي: وجادة) قاله شعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة رحمهما الله تعالى [انظر: تهذيب التهذيب (3/ 244)]، وهي عند الجمهور ضرب من المنقطع، والقاعدة في الأصول: [أن الانقطاع في الخبر يقتضي رده]، وبعبارة أخرى: [لا يجوز العمل بالوجادة في إثبات الأحكام].
انظر: [شرح الكوكب (2/ 526 - 528)].
¥