قال العلامة المحقق أبو الطيب صديق حسان خان " الموعظة الحسنة بما يخطب في شهور السنة ": (والعجب من كثرة الأقوال في تقدير العدد حتى بلغت إلى خمسة عشر قولا ليس على شيء منها دليل يستدل به قط إلا قول من قال: إنها تنعقد جماعة الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعة كيف والشروط إنما تثبت بأدلة خاصة تدل على انعدام المشروط عند انعدام شرطه فإثبات مثل هذه الشروط بما ليس بدليل أصلا فضلاً عن أن يكون دليلاً على الشرطية مجازفة بالغة وجرأة على التقول على الله وعلى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى شريعته).نقلاً عن الأجوبة النافعة للألباني ص:77).
وأقرب الأقوال للصواب وأسعدهم بالدليل ـ والله أعلم ـ هو القول الأول ـ وهو قول الجمهور ـ والخلاف بينهم وبين من يقول بالاثنين إنما هو في أقل الجمع , وحساب الإمام من
العدد أم لا.
المبحث الثالث: ذكر العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة للخطبة.
اختلف الفقهاء في اشتراط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة، وذلك على قولين:
القول الأول: يشترط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة.
وبهذا قال المالكية (انظر: الإشراف 1/ 134، ومواهب الجليل 2/ 165 - 166، والفواكه الدواني 1/ 306).
)، والشافعية (انظر: الوجيز 1/ 62، والمجموع 4/ 259، وروضة الطالبين 2
)، والحنابلة (انظر: الفروع 2/ 111، والإنصاف 2/ 390).
القول الثاني: لا يشترط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة.
وهذا القول منسوب إلى الإمام أبي حنيفة (الإشراف 1/ 134، وابن قدامة في المغني 3/ 50).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
استدلوا بأدلة من السنة:
أولا: من السنة:
ما رواه مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) أخرجه البخاري (605).
وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصلاة كما صلى، ولم يخطب وحده، وإنما خطب بحضرة العدد الذين تنعقد بهم الجمعة (انظر مواهب الجليل 2/ 166).
مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين:
الأول: أن هذا استدلال بالفعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب.
الثاني: أن هذا الدليل - على تقدير القول بأنه يدل على الوجوب - لا يقتضي اكتمال العدد الذي تنعقد به الجمعة، وإنما يتحقق بحضور عدد يستمع الخطبة.
دليل صاحب القول الثاني:
أن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة، فلم يشترط له العدد، كالأذان (ينظر: المغني 3/ 210.).
مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الأذان ليس بشرط، وإنما مقصوده الإعلام، والإعلام للغائبين، والخطبة مقصودها التذكير والموعظة، وذلك يكون للحاضرين، كما أنها مشتقة من الخطاب، والخطاب إنما يكون للحاضرين.
الترجيح:
الذي يظهر - والله أعلم بالصواب - هو أنه يجب حضور الخطبة جماعة يتحقق بهم مقصودها من الوعظ والتذكير،
المبحث الرابع: استمرار حضور العدد حتى نهاية الخطبة
اختلف القائلون في المطلب السابق باشتراط حضور العدد للخطبة هل يجب أن يكون الحضور لجميع الخطبة، أو يكفي حضور بعضها، فلو انفضوا , أو بعضهم في أثنائها لم تصح؟ وذلك على قولين:
القول الأول: يشترط حضور القدر الواجب منها، فإن انفضوا في أثنائها لم يعتد بالركن المفعول حال غيبتهم.
وبهذا قال الشافعية (انظر: المجموع 4/ 261، وروضة الطالبين 2/ 7 - 8،).
)، والحنابلة (انظر: والفروع 2/ 111، وكشاف القناع 2/ 34).
على اختلاف بينهم في وجوب توفر أركان في الخطبتين جميعا
القول الثاني: يشترط حضور جميع الخطبة.
وهذا هو الظاهر من قول المالكية حيث أطلقوا القول باشتراط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة (انظر: الإشراف 1/ 134، ومواهب الجليل 2/ 165).
قال الشيخ الحجيلان (خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية: 46): (ولم أطلع على أدلة صريحة لأصحاب القولين، ولعل أصحاب القول الأول يستدلون بأن القدر الواجب من الخطبة - وهي شروطها - هي التي لا تصح إلا بها، فلو أخلّ الخطيب بشيء منها لم تصح، فيكون استماع العدد الذي تنعقد به الجمعة إليها واجبا ليتحقق المقصود من هذا الواجب، وهو الاستماع للتذكر والاتعاظ.
وأما القول الثاني فلم يتبين لي الوجه فيه.
¥