فالمعول على رواية ابن جريج فقط.
والذين لم يذكروا هذه اللفظة اثنان:
1. زهير بن معاوية، ورواه عنه سبع رواة، ولم يختلفوا عليه، وفي روايته قال: قلت لأبي الزبير: أقال جابر (وجنبوه السواد)، قال: لا.
يا له من تثبت ما أقطعه لحجة المتازع.
وهذا التثبت قد عرف به زهير بن معاوية:
قال أبو عيسى الترمذي في سننه (2892)
حدثنا هريم بن مسعر ترمذي حدثنا الفضيل بن عياض عن ليث عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا ينام حتى يقرأ آلم تنزيل وتبارك الذي بيده الملك
قال أبو عيسى: هذا حديث رواه غير واحد عن ليث بن أبي سليم مثل هذا ورواه مغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم نحو هذا.
وروى زهير قال: قلت لأبي الزبير: سمعت من جابر فذكر هذا الحديث، فقال أبو الزبير: إنما أخبرنيه صفوان أو ابن صفوان، وكأن زهيراً أنكر أن يكون هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر.
حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص عن ليث عن أبي الزبير عن جابر فذكر هذا الحديث.
فقال أبو الزبير: إنما أخبرنيه صفوان أو ابن صفوان، وكأن زهيراً أنكر أن يكون هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر.
2. عزرة بن ثابت، والإسناد إليه صحيح.
ومن المرجحات لرواية من رواه بدون هذه اللفظة:
1. أنه لم يصرح ابن جريج بالسماع من أبي الزبير (وبه أعله ابن القطان في بيان الوهم)، فلعل ابن جريج أخذه عن أحد هؤلاء الضعفاء الذين رووا الحديث.
2. تثبت زهير بن معاوية في سؤاله لشيخه أبي الزبير عن هذه اللفظة، ومتابعة عزرة بن ثابت له في عدم ذكرها.
3. أن ابن جريج راوي الخبر عن أبي الزبير عن جابر، قد صبغ بالسواد، وخالف مرويه.
وهذا يحتمل أمرين:
الأول: أنه لم يعبأ بهذه الزيادة؛ لعلمه أنه أخذها عن غير ثقة، وغالب أهل الأصول لا يرضون بمثل هذا، ويقولون: العبرة بما روى لا بما رأى، وجمع من متقدمي أهل الحديث إذا أنكروا الخبر يعللونه بمثل هذه العلل؛ كحديث هشام بن حسان عن ابن سيرين في التفطير بالقيء، وأن أبا هريرة كان يفتي بخلافه.
الثاني: أنه يجزم بثبوتها للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حمله على من كانت حاله كشيب أبي قحافة، أو لعل له صارفاً إلى الكراهة من فعل صاحب أو غيره.
ولا يمكن أن يقول أحد عن ابن جريج أنه يخالف النهي صراحة، دون التماس العذر له في هذا.
4. أنه جاءت عدة أحاديث صحيحة في الأمر بالصباغ وتغيير الشيب، وليس فيه استثناء الخضاب بالسواد، ولو كان الخضاب بالسواد محرماً لا ستثناه النبي صلى الله عليه وسلم، ولبينه بياناً عاما يعلمه الخاص والعام، فكيف وعمل الصحابة على الخضاب بالسواد.
بقي إن شاء الله الحديث عن حكم هذه المسألة، وبيان حال اتفاق الأئمة وحال اختلافهم، ولعلي أكتب في وقت آخر أوسع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[أبوعبدالله الحميدي]ــــــــ[27 - 05 - 10, 01:01 ص]ـ
حديث ابن عباس
قال ابن أبي شيبة في مصنفه (8/ 252)
حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال: سمعت سعيد بن جبير وسئل عن الخضاب بالوسمة، فكرهه، فقال: (يكسو الله العبد في وجهه النور، ثم يطفئه بالسواد).
قلت: لو كان حديث ابن عباس محفوظاً عن سعيد بن جبير، أو فهم منه تحريم الخضاب بالسواد، لذكره أو علل به النهي.
وهو القائل لحصين بن عبد الرحمن حين روى عن الشعبي عن بريدة بن الحصيب موقوفاً عليه: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ[ابوالعلياءالواحدي]ــــــــ[27 - 05 - 10, 02:53 ص]ـ
حديث ابن عباس الذي أخرجه احمد و ابو داود وابن ماجه والنسائي من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن سعيد بن جبير عنه، من الاحادبث المشكلة التي اختلفت في فقهه افهام الائمة الاعلام،بعد أن اختلفوا في قبوله ورده، فمن رده أعله بعلتين حديثيتين وعلتين أصوليتين، فأما العلتان الحديثيتان فاحداهما اختلافهم في عبد الكريم الراوي عن ابن جبير،فزعموا أنه عبد الكريم بن ابي المخارق وضعفوا الحديث بسببه بل غالى بعضهم فحكم عليه بالوضع. قالوا وقد يجوز انه عبد الكريم بن مالك الجزري الثقة،و هو احتمال موجب لسقوط الاستدلال.واماالعلة الاخرى فاختلاف الرواة في رفعه ووقفه،بل قد جاء موقوفا على مجاهد وهذا يشعر بقلة ضبط رواته.
و أما العلتان الاصوليتان فإحداهما معارضته لاطلاق صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا الشيب، فلا قيد ولا عين،ولاجائز القول بالتقييد بحديث ابن عباس لاختلاف درجة صحة الدليلين.
والعلة الثانية هي ان الشريعة جاءت بتحريم المضار الحادثة عن الافعال والاقوال ومهما خلت من ذلك لم يجز الحكم عليها تحليلا أو تحريما،و إنما شأنها شأن العادات والاعراف في ترك التعرض لها بالحظر إلا ان ينشأ عنها ضرر. فأما أن يكون مثل هذا العمل "الصبغ بالسواد" موجب لدخول النار والحرمان من الجنة فأمر غير معهود في موارد الشريعة الاسلامية.
وجنح بعض اهل العلم الى تصحيح الحديث ثم اختلفوا، فمنهم من اخذ بظاهره فكره الصبغ بالسواد بل عده بعضهم من الكبائر!! ومال آخرون الى التأويل،فقالوا: إنه وارد في حق قوم مذمومين من سيماهم الصبغ بالسواد، فالوعيد متعلق بهم لا بفعلهم هذا، تماما مثل قوله في الخوارج: سيماهم التحليق.
قال ابو العلياء: واسعد الاقوال وارجحها آخرها. ومن راعى حرمة السبطين،وعدالة من فعله من الصحابة المعروفين، لم يجترئ على نسبة اتيان الكبيرة اليهم.والله الهادي لا رب سواه.
.
¥