- ومنها: ما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، ووجه الاستدلال منه: من قوله صلى الله عليه وسلم: «الرضاع» فهذا مفرد دخلت عليه ((أل)) الجنسية، والقاعدة في الأصول: [أن ((أل)) الجنسية تفيد عموم مدخولها]، فيشمل رضاع الكبير والصغير.
(ونوقش): بأنه قد ورد الدليل المخصِّص، وهو حديث عائشة -رضي الله عنها- المتقدمُ، وما في معناه من الأحاديث عند من يقول بثبوتها، والقاعدة في الأصول: [أن الخاص مقدم على العام عند التعارض].
- ومنها: ما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في الصحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها- في قصة سهلة زوجة أبي حذيفة، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها لما جاءته تسأله عن سالم: «أرضعيه تحرمي عليه» ووجه الاستدلال منه: من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «تحرمي عليه» فهذا نص في ثبوت المحرمية لسالم وهو كبير، والقاعدة في الأصول: [يجب العمل بالنص ولا يجوز العدول عنه] والقاعدة في الأصول: [أن ما ثبت في حق بعض الأمة يثبت في حق جميعها] وبناءً عليه فيثبت التحريم في رضاع كل كبير.
(ونوقش من وجوه):
- الأول: أنه خاص بسالم مولى أبي حذيفة t.
وردت المناقشة: بأن القاعدة في الأصول: [أن ما ثبت في حق بعض الأمة يثبت في حق جميعها] وبعبارة أخرى: القاعدة في الأصول: [الأصل عدم الخصوصية].
- الثاني: أنه كان في أول الإسلام ثم نسخ.
وردت المناقشة: بأن القاعدة في الأصول: [أن الأصل في النص الإحكام ولا يجوز العدول عنه إلا بدليل]، ولا دليل.
- الثالث: أن هذا خاص بصورة الحاجة، ووجهه: أنه ثبت الترخيص في قصة سالم، وجاء فيها: أنه كان ابنا له بالتبني، ويلحق به كلُّ حاجة من باب القياس، والقاعدة في الأصول: [أن القياس حجة في إثبات الأحكام].
وردت المناقشة: بأن هذا قياسٌ غير منصوص على علته، والقاعدة في الأصول –على الصحيح-: [أن القياس غير المنصوص على علته ليس بحجة]. (وفي حكم المنصوص عليه: الأولوي والإلحاق بنفي الفارق) وهو أيضا معارِض لعموم حديث عائشة -رضي الله عنها-: «إنما الرضاعة من المجاعة» والذي يدل على عدم ثبوت التحريم برضاعه، والقاعدة في الأصول: [أنه لا يجوز تخصيص العموم بالقياس إذا لم يُنَصَّ على علته].
- الرابع: أن هذا – أي: مجموع القصة- فعلٌ، والقاعدة في الأصول: [أن الفعل لا عموم له]، فيقتضي هذا اختصاصَ الحكم بما وافق القصةَ في الحالِ فقط (صورة التبني)، فعند عبد الرزاق -بسند صحيح- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: جاءت سهلة بنتُ سهيل بنِ عمرو إلى النبي فقالت: إن سالما كان يدعى ابن أبي حذيفة ... الحديثَ.
وهذه مناقشة متجهة، وذلك من جهة أن تَبَنِّيَهُمْ له وصف مؤثر فلا يجوز إسقاطه؛ إذ المتبنَّى قريب من المَحْرَمِ في عدم الميل لزوجة من تبناه، وهذا معتبر في ذهاب ما في النفس، وفي الحديث: «أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة».
- ومنها (أي: أدلة القول الأول): أنه قد ورد عن علي وعائشة -رضي الله عنهما- القولُ بثبوت التحريم برضاع الكبير، ووجه الاستدلال من الأثرين: أن هذا قول صحابي، والقاعدة في الأصول: [أن قول الصحابي حجة في إثبات الأحكام].
(ونوقش): بأن هذا قول صحابي، والقاعدة في الأصول -على الصحيح-: [أن قول الصحابي ليس بحجة في إثبات الأحكام].
ووجه آخر في النقاش: أن قول الصحابي هنا قد عارضه قول صحابي آخر على ما سوف يأتي -إن شاء الله تعالى- في أدلة أصحاب القول الثاني، والقاعدة في الأصول: [أن قول الصحابي إذا عارضه قول صحابي آخر سقط الاحتجاج به].
القول الثاني: عدم ثبوت المحرمية برضاع الكبير مطلقا، وهذا مذهب جمهور أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة –رحمهم الله تعالى-، واستدلوا على ذلك بأدلة:
¥