- وجاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وقال: إني مصصت من ثدي إمرأتي لبنا فذهب في بطني، فقال أبو موسى: لا أراها إلا قد حرمت عليك! فبلغ ذلك عبد الله بن مسعود فقال لأبي موسى: انظر ماذا تفتي به الرجل؟ فقال أبو موسى: فماذا تقول أنت؟ فقال عبد الله بن مسعود: لا رضاعة إلا ما كان في الحولين. فرجع أبو موسى لقول ابن مسعود ثم قال: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم!.
فهذه الوقائع وأمثالها ما كان لأصحاب رسول الله أن يقفوا خلاف حديث رسول الله في حديث سالم هذا لولا أنه عام وقضاء عمر خاصة واجب الإتباع لأنه خليفة راشد مهدي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي .. ).
الوقفة الحادية عشرة:
إن حديث سالم في رضاع الكبير- لم يعمل به أحد من لدن الصحابة والتابعين، سوى خمسة وهم علي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري وعائشة وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد - وثبت رجوع علي بن أبي طالب حيث صح عنه: (لا رضاع بعد الفطام) و رجع أبو موسى لما ناظره عبد الله بن مسعود أما الليث بن سعد فذكر عنه ابن وهب أنه قال: (أكره أن أحل من رضاع الكبير شيئا).
وقد قال ابن أبي مليكة: مكثت سنة أو قريبا من ذلك لا أحدث به رهبة يعني حديث سالم، وقال ابن عبد البر: هذا الحديث ترك قديما ولم يعمل به ولم يتلقه الجمهور بالقبول على عمومه بل تلقوه على أنه مخصوص) وأرسلت عائشة سالم بن عبد الله بن عمر إلى أختها أم كلثوم؛ لترضعه فأرضعته ثلاث رضعات ثم مُرض، قال سالم فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تتم عشر رضعات فقوله: (لم تتم عشر رضعات) يشعر بعدم أخذها بظاهر حديث (كان فيا أنزل عشر رضعات يحرمن فنسخن بخمس معلومات يحرمن ومات رسول الله هن مما يتلى من القرآن) وكونها كانت مما تتلى من القرآن غير صحيح، ولعل هذا معنى ما حكاه البعلي عن ابن تيميه والاختيارات لما قال ( .. وبعض لقول عائشة)!!
وهذه الفتوى وعليها العمل في بلادنا إلى اليوم: (انظر مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتى الديار السعودية 11/ 175 وفتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتى عام المملكة 22/ 265 وفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه الروض الممتع 13/ 436)
وهذه شهادة عملية على مدار خمسة عشر قرنا بعدم العمل بهذا الحديث.
الوقفة الثانية عشره:
ما رأته عائشة رضي الله عنها من عموم حديث سالم مولى أبي حذيفة يخالف روايتها للحديث الصحيح السابق (انظرن من أخوانكن إنما الرضاعة من المجاعة) فَتغيُرُ وجه الرسول وإنكاره على عائشة لما دخل عليها- ووجد عندها رجلا- دليل على تحريم الدخول على غير المحارم، ثم حكم صلى الله عليه وسلم بأن الرضاعة لا تؤثر إلا في سن الصغر: وهي حولان اللذان يشبع الطفل فيهما دون الكبير، فإن حليب المرأة لا يشبعه ولا يسمى شربه- لو شربه- رضاعة في لغة العرب. و لا يشبعه ولا يرويه مهما شرب منه مرات ومرات.
ثم إن رأي عائشة هذا واقع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس له صفة التقرير الشرعي فضلا عن مخالفة عامة الصحابة لها، وإنما هو رأي رأته.
ثم ضابط الرضعة الواحدة: أن يمسك الطفل الثدي ويمصه ويتركه باختياره.
و أيضا القاعدة عند المحدثين: إذا خالف رأي الراوي الحديث الذي رواه فبأيهما يؤخذ برأيه أو بروايته؟! الصحيح أنه يؤخذ بروايته لا برأيه؛ لأن الرواية دليل شرعي قائم بذاته، ورأيه اجتهاد (دليل عقلي) فيقدم الدليل الشرعي على الدليل العقلي عند التعارض.
الوقفة الثالثة عشرة:
فتوى شيخ الإسلام بن تيميه، وهذا نصها كما في الاختيارات الفقهية لأبي الحسن البعلي المطبوعة مع الفتاوى الكبرى 4/ 589: (ورضاع الكبير تنتشر به الحرمة، بحيث لا يحتشمون منه للحاجة لقصة سالم مولى أبي حذيفة، وهو بعض مذهب عائشة وعطاء والليث وداود ممن يرى أنه ينشر الحرمة مطلقا) ا. هـ.
ويقول في مجموع الفتاوى 34/ 55: (والكبير إذا إرتضع من امرأته أو غير امرأته لم تنشر بذلك حرمة الرضاع عند الأئمة الأربعة وجماهير العلماء كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
وحديث عائشة في قصة سالم مولى أبي حذيفة مختص عندهم بذلك؛ لأجل أنهم تبنوه قبل تحريم التبني).
¥