تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن المشهور عنه - رضي الله عنه - القيام حال الخطبة كما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول وغيرها، وإنما فعل ذلك لعارض حيث كان يصيبه رعدة لكبر سنه، ولم يثبت عنه أيضاً أنه كان يخطب عند جلوسه في هذه الرعدة كما في بعض الآثار.

2 - ما روي عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أنه كان يخطب وهو قاعد.

مناقشة هذا الدليل: نوقش بأن جلوسه كان لعذر، فقد روي عنه أنه خطب جالسا لما كثر شحم بطنه ولحمه قال ابن حجر (فتح الباري 2/ 401): (ولا حجة في ذلك لمن أجاز الخطبة قاعداً لأنه تبين أن ذلك للضرورة).

وقال في نفس المصدر: " وأما من احتجَّ بأنه لو كان شرطاً ما صلى من أنكر ذلك مع القاعدة، فجوابه: أنه محمول على أن من صنع ذلك خشي الفتنة، أو أن الذي قعد قعد باجتهاد كما قالوا في إتمام عثمان الصلاة في السفر، وقد أنكر ذلك ابن مسعود ثم إنه صلى خلفه فأتم معه، واعتذر بأن الخلاف شر ".

وذكر الهيثمي عن موسى بن طلحة قال: شهدت عثمان يخطب على المنبر قائماً، وشهدت معاوية يخطب قاعداً، فقال: أما إني لم أجهل السنة، ولكن كبرت سني ورقَّ عظمي، وكثرت حوائجكم، فأردت أن أقضي بعض حوائجكم قاعداً، ثم أقوم فآخذ نصيبي من السنة.

قال الهيثمي (مجمع الزوائد: 2/ 187): رواه الطبراني في الكبير، وفيه قيس بن الربيع , وقد وثقه شعبة والثوري، وضعَّفه غيرهما. أ. هـ.

قال الصنعاني (سبل السلام 2/ 121): (وهذا إبانة للعذر, فإنه مع العذر في حكم المتفق على جواز القعود في الخطبة).

رابعاً: من المعقول:

1 - أن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة، فلم يكن من شرطه القيام، قياسا على الأذان، والإقامة (ينظر:المبدع 2/ 162، وكشاف القناع 2/ 36).

مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قد ورد من الأدلة على القيام في الخطبة , والمواظبة عليه، والإنكار على تركه كما تقدم في أدلة القول الأول ما لم يرد في الأذان والإقامة، فلا يصح القياس.

2 – قال في المغني (3/ 16): (وقال القاضي: يجزيه الخطبة قاعداً , وقد نص عليه أحمد وهو مذهب أبي حنيفة لأنه ذكر ليس من شرطه الاستقبال , فلم يجب له القيام كالأذان). ويناقش بما نوقش به ما قبله.

أدلة أصحاب القول الثالث:

الظاهر أنهم يستدلون على الوجوب بما استدل به أصحاب القول الأول.

وأما الإجزاء عند عدم القيام مع عدم العذر فاستدلوا عليه بما يلي: -

1 - ما استدل به أصحاب القول السابق من أن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة لأجلها، فلم يكن من صحته القيام كالأذان، والإقامة (ينظر: الإشراف 1/ 133.).

ويناقش بما تقدم مناقشته به.

2 - أن الغرض من القيام أن يشاهد الناس الخطيب ويتمكنوا من سماع الخطبة، فلم يؤثر الإخلال به، كالصعود على المنبر (ينظر: الإشراف 1/ 133.).

مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن الصعود على المنبر عندهم - أي المالكية - سنة وليس بواجب (ينظر: مواهب الجليل 2/ 172)، بل هو سنة بالإجماع (المجموع 4/ 527.) كما سيأتي، فهم قاسوا أمراً واجباً على سنة، فلا يصح.

الوجه الثاني: أنه قد جاء في القيام من الأدلة ما لم يأت في الصعود على المنبر، فلا يقاس عليه.

الترجيح: الراجح في هذه المسألة والله تعالى أعلم هو ماذهبت إليه أكثر المالكية من وجوب القيام في الخطبة فهو ماعرف عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخلفائه الراشدين , والأئمة المهديين إلى يومنا هذا , وما جاء في بعض الآثار من الجلوس كان لعذر , قال ابن المنذر (الأوسط: 4/ 59): (والذي عليه عمل أهل العلم من علماء الأمصار، ما يفعله الأئمة إذا فرغ المؤذن من الأذان قام الإمام فخطب خطبة ... الخ). أ. هـ.

قال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ (السيل الجرار: 182 ـ في مجلد واحد ـ): (والقيام في الخطبتين مع القعود بينهما هو الثابت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخلاف ذلك بدعة)

وقال الدكتور الحجيلان (خطبة الجمعة: 68): (بعد استعراض الأقوال في المسألة وأدلتها والمناقشات الواردة عليها تبين أن الأدلة فعلية في الجملة، ولكنها دالة على المواظبة، ليس من النبي - صلى الله عليه وسلم - فحسب بل ومن خلفائه من بعده، حتى ورد الإنكار الشديد على من قعد، فالذي يظهر من ذلك قوة أدلة أصحاب القول الأول القائل بأن قيام الخطيب حال الخطبة شرط مع القدرة عليه شرط لابد منه ,لكن القول بعدم الإجزاء مع القدرة أمر يحتاج إلى دليل ظاهر الدلالة , وهذا لم يتوفر ـ حسب اطلاعي ـ مما يجعل القول الثاني ـ قول أكثرالمالكية ـ أقوى من غيره , والله أعلم.).

قلت: فالقول بالشرطية لا دليل عليه حيث يقول الصنعاني (سبل السلام 2/ 121): (وأما الوجوب وكونه شرطاً في صحتها فلا دلالة عليه من اللفظ إلا أنه قد ينضم إليه دليل وجوب التأسي بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ).

وكتبه أبومالك عدنان المقطري

اليمن ـ تعز

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير