تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - أثرت مدرسة مالك بالمدينة في الفقة بما نقلت من أحاديث كانت وافرة فيها بحكم قيام الرسالة على أرضها وكثرة الصحابة بها، وبما قدمت من أشكال وأوضاع تداولها سكان المدينة جيلا عن جيل• ومن جهة أخرى نجد المدينة لم تخلُ من قائل بالرأي، مثل >ربيعة الرأي< شيخ مالك نفسه، وكان ربيعة من كبار علماء المدينة• لذلك تأثر به فقه مالك، فقال بالمصالح المرسلة والإستحسان والعرف•

3 - كان من أصحاب المذهبين الحنفي والمالكي من ينتفع بمزايا كل منهما، فهذا محمد بن الحسن الحنفي المذهب يرتحل إلى المدينة، ويمكث فيها ثلاث سنين يأخذ فيها الموطأ عن مالك، ويعود إلى العراق مزودا بالآثار• وهذا أبويوسف الحنفي المذهب كان أوسع أتصالا بالمحدثين وأكثر رواية عنهم، وقد خالف أبا حنيفة في المسألة بعد المسألة، والثابت أنه ارتحل أيضا الى المدينة ولقي مالكا وناظره، وأخذ عنه، ورجع عن بعض قوله الى قول مالك، وسهل له اتصاله بالمحدثين تقوية مذهب أبي حنيفة بالحديث، وتطعيم المذهب ببعض أقوال الحجازيين، ومخالفة أبي حنيفة إلى ماصح عنده من حديث أحيانا•

وكما كان أبو يوسف ومحمد بن الحسن حلقة اتصال بين أهل الحجاز وأهل العراق، كذلك كان من تلاميذ مالك وفقهاء الحجاز من قام بالدور نفسه، مثل أسد بن الفرات تلميذ مالك الذي ارتحل إلى العراق، وهناك فعل ما فعله محمد بن الحسن في المدينة، فكلاهما مزج الفقهين، وقرب بين المدرستين، فقد لقي أسد بن الفرات صاحبي أبي حنيفة، وسمع منهما الفروع الفقهية على طريقة العراقيين، ثم ذهب إلى مصر مزوداً بما حصله، ولقى أصحاب مالك بها ولاسيما أبن القاسم، وعرض عليهم هذه الفروع، وسمع منهم حكمها على مذهب مالك، إما حسب ما سمعوا من مالك، وإما اجتهاداً على أصوله، وجمع أسد بن الفرات ذلك كله في كتاب سمي المدونة، وصار هذا الكتاب المصدر الأساس في فقه المالكية، وعلى هذا فالمدونة لا تخلو من تأثير العراقيين في تفريع المسائل وتوليدها، وإن كانت أكثر تأثراً بالحجازين في تطبيق مذهب مالك على هذه المسائل• ومن هذا نرى كيف كان العصر والرجال والرحلات تعمل على التقريب بين المذاهب (3)

4 - كثرت رحلات الشافعي بين الحجاز والعراق ومصر واليمن، والحضر والبدو، فاكتسب ثقافة واسعة بأحوال زمانة وباللغة والأدب والحديث والفقه: فقه الرأي العراقي، وفقه الحديث الحجازي، وكان الشافعي يحاول التقريب بين مدرسة الرأي التي استفاد من أهلها في العراق حين نزل بها أكثر من مرة، وأخد فيها عن محمد بن الحسن، وهو من رؤوس المذهب الحنفي• كما أخذ بالمدينة عن مالك، وهو رأس المذهب الأثري المتمسك بالحديث، وقد رأى الشافعي من غير شك أن طريقة العراقيين لا يحسن أخذها كلها، ولا تركها كلها•

فعندهم القياس وهو منهج صحيح، ولكنه في نظره ليس على إطلاقه، بل لابد أن يتأخر عن الأحاديث الصحيحة حتى ما كان منها خبر آحاد• وعندهم التفريع وتوليد المسائل الكثيرة من أصولها، وهي طريقة جيدة، وعندهم الجدل والاستدلال بالعلة والمصلحة، وإلحاق الشبيه بشبيهه• وقد رأى ذلك حسناً فاقتبس منه أحسنه، وأضافه إلى ثروته الحجازية من اللغة والأدب والحديث وطريقة الحجازيين في الاستنباط، وخرج من دراسة المذهبين بطريقة جديدة جمعت أفضل ما فيهما•

وقد تبع الشافعي على ذلك كثير من اهل العراق• الذين لم يملكوا الا الانبهار بشخصيته العلمية الفذة، فاستفادوا منه استفادات كبيرة، فاجتمع لهم أحسن ما في المذهبين الحنفي والشافعي، بل الشافعي نفسه كان دائم التجديد لفقهه وعلمه، ولذلك كان له مذهبان: قديم حين كان بالعراق، وجديد حين نزل بمصر، وهذا يظهر أن الاجتهاد وتمحيص المذاهب الفقهية والتقريب بينها والاستفادة من كل منها - عمل لا ينتهي ما دامت الحياة•

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير