[منهج ابن النجار في مختصر التحرير.]
ـ[أبو المنذر المنياوي]ــــــــ[27 - 04 - 08, 01:52 م]ـ
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى
كنت بعون الله قد بدأت في شرح مختصر التحرير لابن النجار، وسوف أعرض عليكم جزءا من الدرس الأول للتباحث حوله وإثراء الموضوع بإذن الله، وهو عن منهج ابن النجار في مختصره ...
منهجه في كتابه:
قوله: (الحمد لله كما أثنى على نفسه، فالعبد لا يحصي ثناء على ربه، والصلاة والسلام على أفضل خلقه محمد وآله وصحبه، أما بعد: فهذا مختصر محتو على مسائل (تحرير المنقول، وتهذيب علم الأصول) في أصول الفقه، جمع الشيخ العلامة علاء الدين المرداوي الحنبلي تغمده الله تعالى برحمته، وأسكنه فسيح جنته مما قدمه أو كان عليه الأكثر من أصحابنا، دون الأقوال، خال من قول ثان إلا لفائدة تزيد على معرفة الخلاف، ومن عزو مقال إلى من إياه قال، ومتى قلت: في وجه، فالمقدم غيره، وفي أو على قول، فإذا قوي الخلاف أو اختلف الترجيح، أو مع إطلاق القولين، أو الأقوال، إذ لم أطلع على مصرح بالتصحيح، وأرجو أن يكون مغنيا لحفاظه عن غيره على وجازة ألفاظه، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمني ومن قرأه من الزلل، وأن يوفقنا والمسلمين لما يرضيه من القول والعمل.)
أبان الماتن عن منهجه الذي سار عليه في مختصرة ويتضح ذلك من خلال النقاط التالية:
1 - أنه اقتصر على قول واحد من الأقوال التي يذكرها المرداوي في التحرير، حيث قال: (خال" هذا المختصر "من قول ثان" أذكره فيه).
وطريقته في الاختيار هذا القول كما يلي:
أ- أن يقتصر على ذكر القول الذي يقدمه المرداوي في التحرير، قال: (منتقى (مما قدمه) من الأقوال التي في المسألة).
وعادة المرداوي تقديم الصحيح من الأقوال قال في التحبير (1/ 131): (قوله: {وأقدم الصحيح من مذهب الإمام أحمد وأقوال أصحابه}. وهذا في الغالب، لأن الكتاب للحنابلة، ومصنفه حنبلي المذهب، والذي ينبغي له تقديم مذهب إمامه الذي هو مقلد له، وأقوال أصحابه، وكذا سائر المصنفين من أتباع الأئمة يفعلون ذلك).
مثال لذلك - قال ابن النجار في مختصر التحرير: (وله أخذ رزق من بيت المال فإن تعذر أخذ أجرة خطه).
وعبارة المرداوي كما في التحرير (7/ 4046 - التحبير): (قوله: {وله أخذ رزق من بيت المال، وإن تعين أن يفتي وله كفاية لم يأخذه، وقيل: بلى كعادمها في الأصح، ومن أخذ منه لم يأخذ وإلا أخذ أجرة خطه، وقيل: بلى، وإن جعل له أهل بلد رزقا ليتفرغ لهم جاز في الأصح}.).
مثال آخر: قال ابن النجار في المختصر: (الكناية حقيقة إن استعمل اللفظ في معناه وأريد لازم المعنى ومجاز إن لم يرد المعنى عن اللازم).
وعبارة المرداوي في التحرير (2/ 485 - التحبير): (قوله: {فائدة: الكناية حقيقة إن استعمل اللفظ في معناه وأريد لازم المعنى، ومجاز إن لم يرد المعنى وإنما عبر بالملزوم عن اللازم، وعند الأكثر: حقيقة مطلقاً، وقيل: عكسه، وقيل: بنفيهما}).
ب- أن يكون هذا القول عليه الأكثر من الأصحاب، قال: ((أو كان) القول (عليه الأكثر من أصحابنا)).
2 – قد يذكر قولا آخر في المسألة لفائدة تزيد على مجرد معرفة أن في المسألة خلاف، قال: ("خال" هذا المختصر "من قول ثان" أذكره فيه "إلا" من قول أذكره "لفائدة تزيد" أي زائدة "على معرفة الخلاف" لا ليعلم أن في المسألة خلافا فقط") ولعله يأتي أمثلة لذلك فيما بعد.
3 - أنه لا يعزو الأقوال لأصحابها روما للاختصار، قال في مختصر التحرير: (-خال- من عزو مقال إلى من إياه قال)، ولكنه – رحمه الله – خالف ذلك في الشرح فتراه فصل ما أجمله في المختصر فأرجع كل قول إلى مصدره، ونسب القول إلى قائله، حتى أن الناظر في هذا الكتاب يلاحظ الدقة في النقل، والأمانة في التوثيق، والاعتراف بالفضل لأهله.
4 - أنه يكثر من استعمال بعض الألفاظ للدلالة على ترجيحه، أو توقفه فيه.
قال: (ومتى قلت: في وجه، فالمقدم غيره، وفي أو على قول، فإذا قوي الخلاف أو اختلف الترجيح، أو مع إطلاق القولين، أو الأقوال، إذ لم أطلع على مصرح بالتصحيح). فتراه يستعمل ثلاثة ألفاظ فيقول: (في وجه) للدلالة على أن غيره أقوى منه وقريبا منه قوله: (في قول أو على قول) إذا كان بغرض بيان اختلاف الترجيح خصوصا، وكلاهما يصبح من العبارات التي يستعملها للاختيار أو الترجيح. بخلاف قوله: (في قول أو على قول) إذا كان للتوقف في الترجيح بسبب قوة الخلاف، أو عدم اطلاعه على مصرح بالتصحيح.
أمثلة على استعماله هذه الصيغ:
1 - قوله: (في وجه) قال في المختصر: (العلم لا يحد في وجه). وقال في الشرح (1/ 60): (وقد علمت من خطبة الكتاب أني متى قلت عن شيء "في وجه" فالمقدم والمعتمد غيره. إذا تقرر هذا: فالصحيح عند أصحابنا والأكثر: أنه يحد. ولهم في حده عبارات ... ).
2 – قوله (في قول) بغرض بيان اختلاف الترجيح.
قال في المختصر: (وفعله تعالى وأمره لا لعلة ولا لحكمة في قول)
وقال في الشرح (1/ 313): ("وفعله تعالى" وتقدس "وأمره لا لعلة ولا لحكمة في قول " اختاره الكثير من أصحابنا وبعض المالكية، والشافعية. وقاله الظاهرية، والأشعرية والجهمية. والقول الثاني: أنهما لعلة وحكمة. اختاره الطوفي، والشيخ تقي الدين، وابن القيم، وابن قاضي الجبل. وحكاه عن إجماع السلف، وهو مذهب الشيعة والمعتزلة، لكن المعتزلة تقول بوجوب الصلاح. ولهم في الأصلح قولان ... ).
وباقي الأمثلة تأتي بإذن الله في مواضعها.
¥