[مدارك الاستدلال والنظر ج1 لشيخنا أبي إسحاق الزواوي حفظه الله]
ـ[ابو البراء]ــــــــ[23 - 03 - 08, 12:42 م]ـ
مدارك الاستدلال والنظر ج1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الكبير المتعال، صاحب صدق الحديث وحسن المقال نحمده حمدا يوافي نعمه ومزيد إحسانه، ونحن عباده عيال على فضله وكرمه، نرجو رحمته ونخاف عذابه، خلق ورزق وعلم وألهم وهدى للتي هي أقوم.
وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا صلى الله عليه و سلم عبده ورسوله وصفيه وخليله بعثه الله على حين فترة من الرسل وانطماس من السبل ففتح به قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما فصلاة ربي وسلامه عليه عدد الأنجم الزاهرات وحبات الرمل السافيات، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم المئاب.
أما بعد، فإن من أعظم نعم الله على عباده نعمة العقل فقد رزقه الله إياه ليكون ميزانا للأحكام ومحكا للنظر ومعيارا للعلوم كلها، على أن لا يتعدّى به حدودا هي نصوص الوحي الإلهي قرآنا وسنة، ولازال العقل قرين النص لا يخالفه ولا يبدي له شقاقا إلى أن جرت أحوال الناس على غير المعتاد بعد انقطاع الوحي وتوسع رقعة دار الإسلام، فكثرت الحوادث والطوارئ واحتاج الناس لمعرفة أحكامها، ولما كانت النصوص غير قادرة على استيعاب جميع تلك المسائل بألفاظها وأحرفها وكّلت شقيقها العقل ليجتهد في تلك المستجدات بما جبله الله عليه من إدراك معاني النصوص، فراح يؤسس القواعد ويقيم صرحها ويشيد بنيانها، فتشكلت له جملة من المعالم هي مدارك الاستدلال والنظر، فتخطفها أرباب المذاهب من كل جانب، واختار كل واحد منهجا رآه قريبا من تلك المعاني دون غلو أو شطط، ثم راح يدافع عما رآه من نتائج العقل وقرائح الفكر، فكانت تلك هي بنات أفكاره و راح بعدها يخرج من المسائل ويفرع من الفروع ما شاء الله له منها، فأضحى ذلك دليلا على استيعاب الشرع الحكيم لجميع أحكام العباد على مر الزمان.
على أنه وُجد من علماء الأمة من انتقد هذه المسالك وردها، فلم يرض عن النصوص بديلا، نافيا وجوب القول بالتعليل، فحجّر واسعًا وقد كان له في الأخذ بتلك المسالك متسعًا:
ومن يكُ ذا فم مرّ مريض ... يجد مرًا به الماء الُزلالا
وقد حاولت في هذه الورقات جمع شتات تلك المسالك المعتمدة عند هؤلاء العلماء الأفذاذ، معولين على ما ذكروه في مصنفاتهم، مكتفين في هذا العمل بذكر المسالك التي يقل تداولها على ألسنة الأصوليين عموما نظرا لكثرة ما اعتمدوه دليلا، والتي أوصلناها إلى خمسة وثلاثين نوعا، وذلك بتتبع أهم المراجع والمصادر التي تناولت هذه المباحث بالتفصيل والتوضيح، ولعل أهم ما استوقفنا هو مدى حجية هذه المسالك ابتداءً، وما هي اختيارات أصحاب المذاهب منها، بل إن المشكلة الكبرى تمثلت في التداخل الواضح بين هذه المسالك - خاصة في قسمها الثاني الذي يرجع إلى قياس أو قاعدة شرعية- حيث نجد من الأصوليين من يذكر جُلّ هذه الأقسام، في حين يكتفي البعض الآخر بذكر نوع أو نوعين فقط، وهذا قد يدفعنا مستقبلا إلى التحقق من هذا التداخل حتى نُرجع ذلك الكم من المسالك والطرق إلى عدد محصور يسهل التعامل معه.
وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة
أما المقدمة:
فقد ذكرت فيها علاقة نصوص الوحي بالعقل، و أشرت إلى التلازم الواقع بينهما وحاجة أحدهما إلى الآخر.
وأما المبحث الأول ففي بيان ماهية الاستدلال وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في تعريف الاستدلال لغة واصطلاحا.
المطلب الثاني: في بيان الاستدلال عند الأصوليين، و قد ذكرت فيه التعريف المختار الذي ألفيته مناسبا.
أما المبحث الثاني ففي حجية الاستدلال، و فيه مطلبان:
المطلب الأول: في بيان مذاهب الأصوليين في القول بالاستدلال.
المطلب الثاني: في أدلة الأصوليين والترجيح بينها.
و المبحث الثالث في أنواع الاستدلال عند الأصوليين. و قد قدمنا لهذا المبحث بجملة من الملاحظات وقسمناه إلى مطلبين:
المطلب الأول: في بيان أنواع الاستدلال جملة.
المطلب الثاني: في بيان بعض صور الاستدلال تفصيلا.
وأما الخاتمة ففي أهم النتائج والمقترحات.
¥