[مجالات تجديد علم أصول الفقه الإسلامي]
ـ[أم ريم المالكية]ــــــــ[29 - 04 - 08, 01:22 ص]ـ
[مجالات تجديد علم أصول الفقه الإسلامي]
عمر مبركي
خريج دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا
يعد علم أصول الفقه من الخواص التي امتازت بها هذه الأمة عن غيرها من الأمم، وشاهد أصيل على نضج عقليتها، ونبوغها المعرفي. وقد ظل هذا العلم يؤدي وظيفته الاجتهادية التي من أجلها وُجد – أي إمداد المجتهد بأدوات وطرق استنباط الأحكام من الأدلة الشرعية – ة هذا التجديد، في أفق تخليصه مما هو فيهإلى أن بدأ يفقد وظائفه رويدا رويدا حتى تردى في درك الانحطاط والتقليد والاجترار، فانحصرت موضوعاته في دائرة الملخصات والمتون والحواشي، فأصبح بذلك مقطوع الصلة بوظيفته الاجتهادية.
وقد تعالت الدعوات في الآونة الاخيرة، منادية بضرورة إخراج هذا العلم مما هو عليه من ركود وانحطاط، فبرزت الدعوة إلى تجديد علم أصول الفقه.
وإذا كان الباحثون والدارسون قد أطبقوا - إلا قلة منهم – على ضرور من ركود وانحطاط، إلا أنهم اختلفوا في طريقة هذا التجديد بين داع إلى تجديده على مستوى الشكل، وداع إلى إعادة النظر في مضامينه وأسسه، وعناصره المرجعية. فكانت بذلك مشاريع التجديد المقدمة مترواحة بين مشاريع ركزت على جانب الشكل، وأخرى على جانب المضمون والجوهر.
أولا: تجديد شكل الدرس الأصولي
مافتئ غالبية المؤلفين المحدثين الذين كتبوا في هذا العلم، يذكرون أن الغرض من تآليفهم، هو تقديم المادة الأصولية للطلاب والقراء بأسلوب واضح وبسيط، يدفعهم إلى ذلك ماوجده طلابهم في كتب الأقدمين من صعوبة في اللفظ، وإغلاق في العبارات، زيادة على التداخل في الأبواب والمباحث.
قال الشيخ الخضري بك واصفا حال تلك التصانيف الأصولية القديمة "هذه الكتب التي عنيت بأن تجمع كل شيء استعملت الإيجاز في عباراتها حتى خرجت إلى حد الألغاز، وتكاد تكون لاعربية المبنى، وأدخلها في ذلك كتاب التحرير لابن الهمام، لأنك إذا جردته من شروحه وحاولت أن تفهم مراد قائله، فكأنما تحاول فتح العميات. ومن الغريب أنك إذا حاولت أن تنظر فيه شروح ابن الحاجب، ثم عدت إليه وجدته قد أخذ عباراتهم فأدمجها دمجا وأدخل بوزنها حتى اضطربت العبارة واستغلقت. وأما جمع الجوامع فهو عبارة عن الأقاويل المختلفة بعبارة لا تفيد قارئا ولا سامعا، وهو مع ذلك خلو من الإستدلال على مايقرره من القواعد"1.
هذا هو حال بعض التصانيف الأصولية القديمة: إغلاق في العبارات، وحشو لأمور لا تمت لعلم الأصول بصلة. ولعل هذا ما حدا بثلة من العلماء إلى حمل لواء تجديد شكل الدرس الأصولي مركزين على جانبين: تمثل الأول في تأليف متون أصولية مرتبة ومنظمة على وفاق المنهج الحديث في التأليف، الذي يركز على الوضوح في التبويب، والبساطة في تركيب الموضوعات. أما الثاني فتجلى في الحرص على إستبعاد الدخيل في الأصول من منطق، وفلسفة، وفروع، وعلم كلام، إلا ما ثبتت حاجة علم الأصول إليه.
ويمكن التفصيل في هذين الجانبين على النحو التالي:
أ – تجديد التبويب والتصنيف: لقد برزت مبادرات كثيرة في هذا المجال، كان أغلب مقترحيها أساتذة بالجامعات والمدارس. إذ لما لاحظوا عزوف طلابهم عن الإحتكاك بالمصادر الأصولية القديمة، إما لضعف فيهم، أو لأمر في تلك الكتب كالصعوبة والتعقيد، إلتجأوا إلى تصنيف مذكرات تكون في مستوى الطلاب.
من هؤلاء الدكتور محمد مصطفى شلبي، الذي واجهته عقبة مستوى طلاب الحقوق فألف لهم كتاب "أصول الفقه الإسلامي"2 ومنهم كذلك الشيخ عبد الوهاب خلاف الذي ألف كتاب "علم أصول الفقه"، قاصدا من ورائه إحياء هذا العلم، وإلقاء الضوء على بحوثه، مراعيا في عباراته الإيجاز والإيضاح، وفي بحوثه وموضوعاته الاقتصار على ما تمس الحاجة إليه في استمداد الأحكام من مصادره وفهم الأحكام القانونية من موادها ... 3
ولمثل هذا الأسباب أيضا، ألف الشيخ محمد الخضري بك كتابه "أصول الفقه"، يقول في مقدمة كتابه:"وفي سنة 1905، كلفت أن أملي دروسا على طلبة "غرودون" الذين يدربون ليكونوا قضاة بمحاكم السودان الشرعية .. وهنا خطر ببالي أن أجمع ما أمليته ليكون كتابا نخرجه للناس حتى يستفيد منه من أحب"4.
¥