[هل شبهة الكعبي في رفع المباح تنسحب على قاعدة"درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"]
ـ[ابو مهند العدناني]ــــــــ[19 - 05 - 08, 03:27 ص]ـ
الكعبي أورد على المباح إيرادا يقتضي رفعه من الشريعة؟
وإيراده محله: الإباحة بالمعنى الأعم لا الإباحة بالمعنى الأخص.
والمباح بالمعنى الأخص هو الذي يقع خامسا في قسمة الأحكام التكليفية، وهو ماكان مستوي الطرفين في الطلب والترك، وبالمعنى الأعم ما يكون مقابلا للخالي من الإلزام بالترك أو الطلب، فيدخل فيه المستحب والمكروه، لأنه لايترتب على تركه أو فعله عقاب‘ فصار مباحا بهذا الاعتبار.
وبطريق آخر:
أن محل القسمة تارة يكون الحكم القابل للثوا ب والعقاب، وتارة يكون محل القسمة الحكم القابل للعقاب خاصة
فعلى الأول يكون المقسم لا بشرط، وعلى الثاني يكون بشرط شيء.
والأول هو المنقسم إلى الأقسام الخمسة، ويدخل فيه المباح تكميلا للقسمة؛ للدلالة على انحصار القسمة.
والثاني هو المنقسم إلى الواجب والمحرم والمباح، لان ترك الواجب وفعل المحرم يترتب عليهما العقاب، ولا يدخل فيه فعل المكروه ولا ترك المستحب ولا المباح المستوي الطرفين‘ لأنه لا يترتب على الترك والفعل فيها عقاب، ودخل المباح بالمعنى الأعم الشامل لهذا كله فيه تكميلا للقسمة كما دخل هناك بالمعنى الأخص.
وهذا يشبه دخول السكون في الحركة، فالسكون هي عدم حركة‘ فدخولها في الحركة كان تكميلا للقسمة، وإذا جاز دخول ضد الشيء فيه من اجل تكميل القسمة جاز دخول ما لم يكن ضدا في الشيء تحصيلا للانحصار في الأقسام.
والمقصود أن شبهة الكعبي على المباح واردة على المباح بالمعنى الأعم لان موجب حجته:
أن هذا المسمى مباحا: إما أن يشتغل به عن ترك الواجب فيكون حراما لا مباحا، وإما أن يشتغل به عن ترك الحرام فيكون واجبا لا مباحا، وهو ينسحب على المباح المستوي الطرفين وعلى المستحب والمكروه، فلو اشتغل بالمستحب عن الحرام صار واجبا، ولو اشتغل به عن الواجب صار حراما.
وأوردوا عليه فيما لو اشتغل بحرام عن حرام أو عنه بمكروه هل يصير واجبا بهذا الاعتبار؟
لكن الصحيح أن مورد حجته هو الخروج عن جنس الحرام، وهو لا يكون إلا باشتغاله بضد يكون به واجبا للتخلص من الوقوع في جنس الحرام.
والجواب عنه:
أن هذا الذي جعله موردا للقسمة، فقال فيه إن اشتغل به عن كذا فهو كذا، وان اشتغل به عن كذا فهو كذا: هو المراد بالمباح.
فان كان مراده أن المباح يصير واجبا غيريا لا نفسيا وذاتيا لامتناع الترك إلا بالتلبس بضد له، فيكون الأحد الدائر بين المباحات واجبا: كان نزاعا لفظيا؛ لان أفراد المباح غير متناهية فله أن يتلبس بضد وينتقل منه إلى غيره إلى أشياء غير محصورة من صور المباح.
فليس للمشرع قصد في التلبس بضد معين‘ ولا بضد محصور بين أشياء معينة كخصال الكفارة.
ولهذه المسألة تعلق بمقدمة الواجب، وبالأمر بالشيء نهي عن ضده، وعكسه، ولها تعلق بحكم وسيلة الشيء.
وأما في قاعدة: درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
فيمكن سحب شبهة الكعبي عليها فيقال:
أن درء المفسدة يجلب مصلحة، فدرؤها هو جلب المنفعة عينه، فكيف يتصور دفعها لتحصيل مصلحة
فدفع المفسدة أما أن يستوجب مصلحة أو لا؟
قان لم يستوجب مصلحة كان عدما محضا، والعدم المحض ليس شيئا حتى يطلب تقديمه على المصلحة‘ وان استوجب مصلحة كان تزاحما بين المصالح.
والعكس بالعكس، أي العكس في الصورة يعطي ضده في الحكم، فكل جلب مصلحة يدفع مفسدة.
في مثل مسألة المباح، لكن هنا تقابلا تقابل النقيضين إذ لا واسطة بين المفسدة والمصلحة، وهناك تقابلا تقابل الضدين والواسطة التي بينهما هي محل إيراد الكعبي، وهي عنده راجعة إلى احد الضدين.
وقد صرح بعض العلماء أن القاعدة المذكورة تعود إلى جلب المصلحة وتحصيلها.
لكن يقال: المصلحة تارة تقع لازمة لدفع المفسدة، فالكلف يتوجه ابتداء لدفع المفسدة، فتقع المصلحة بالملازمة، وتارة يتوجه القصد إلى تحصيل المصلحة ابتداء فتندفع المفسدة بطريق اللزوم.
وينبني عليه صحة التقسيم، ولا يقدح فيه الرجوع في النهاية إلى تحصيل المصلحة؛ لأنها لم تقع بوجه واحد، فمرة وقعت لازما ومرة ملزومة، والتغاير بين الملزوم واللازم ثابت ضرورة.
وهنا استشكال اخر:
وهو ان محل هذه القاعدة عند التساوي بين المصلحة والمفسدة، وإلا فالراجح مقدم دائما،فلو كان درء المفسدة مقدما دائما للزم ترجيح المرجوح.
فإذا كان هذا هو محلها، فكيف يكون معنى القاعدة عند من يقول لا يقع في الوجود تساوٍ بينهما؟.
.......................... يتبع