[ايضاح الاختلاف في موضوع اصول الفقه]
ـ[ابو مهند العدناني]ــــــــ[14 - 05 - 08, 03:28 ص]ـ
قالوا: موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية
وهنا ثلاث كلمات:
الأولى: موضوع
الثانية: يبحث
الثالثة: العوارض الذاتية
ومقصودهم بالموضوع ماكان موضوعا في اصطلاح المنطقيين.
وبالثانية الاستدلال" الحمل" وهو نظر الحامل"المستدل"
وبالثالثة المحمول، لا مطلق المحمول، لكن خصوص المحمول الذاتي.
مثل: الفاعل مرفوع
فالموضوع هو كلمة الفاعل وكلمة مرفوع هي العارض الذاتي
والاستدلال بثبوت الرفع للفاعل هو: البحث.
ولمعرفة موضوع علم النحو ننظر إلى موضوعات مسائله التي يتكون منها.
فمسائل علم النحو:
الفاعل مرفوع.
المفعول منصوب.
الحال منصوبة.
المبتدأ مرفوع.
وموضوعات هذه المسائل هي: الفاعل والمفعول والحال والمبتدأ.
الجامع لهذه الموضوعات هو لفظ: كلمة
وعليه فموضوع علم النحو هو: الكلمة.
فالمفهوم الكلي، والجامع العام لموضوعات مسائل العلم هو المسمى بموضوع الفن.
وفي الفقه:
البيع جائز.
الزنا محرم
الصلاة فرض
الربا محرم
وموضوعات هذه القضايا هي: البيع والزنا والصلاة ....
واللفظ الجامع لها هو: فعل المكلف، فيكون هو موضوع الفقه.
ومسائل الأصول:
القران حجة.
السنة حجة.
الاستحسان ليس بحجة.
الأمر للوجوب.
النهي للتحريم.
واللفظ الجامع لموضوعاتها هو: الدليل.
فالأمر يدل على الوجوب والقران يدل على الأحكام الشرعية ...........
وعليه فموضوع أصول الفقه هو: الأدلة.
ولقد وقع الاتفاق على أن الأدلة هي موضوع لأصول الفقه، وتنازعوا في كونه هو خاصة أو هو والأحكام معا.
اذا تقرر هذا فما وجه إدخال الأحكام في ماهية موضوع أصول الفقه عند من جعله جزءا منه.
والجواب بطريقين:
الأول: أن الحكم عند الاصولين هو النص الشرعي عينه، وعند الفقهاء هو مدلول الخطاب الشرعي وأثره المترتب عليه.
فعند الأصوليين الحكم هو النص المفيد لواحد من الأحكام الخمسة
وعند الفقهاء هو الأحكام الخمسة المستفادة من النص.
وعليه يكون مرادهم بالأحكام في موضوع الأصول هو الأدلة؛ فيكون هو القول الأول بعينه، فمرة يعبرون بالأدلة، ومرة بالأحكام، وقد يقولون: موضوعه: الأدلة والأحكام من عطف الشيء على نفسه: أي من عطف المتحدين مصداقا وذاتا على بعضهما؛ تنزيلا للتغاير في المفهوم منزلة التغاير في الذوات، كما لو قلت القران والكتاب والذكر.
فجاء من المصنفين من حكاه تنازعا واختلافا، وليس هو في نفس الأمر كذلك؛ فيكون الاختلاف ناشئا من غلط الحاكي لكلاهم.
ويدل عليه:
أن التمايز حاصل بين العلوم، فعلم الفقه مغاير لعلم النحو و لعلم المنطق، وهذا التغاير والتمايز متولد من التغاير في الموضوع، ولو اتحد الموضوع لاتحدت العلوم، واللازم باطل حسا وواقعا فالملزوم مثله، فلابد أن يكون لكل علم موضوع، ليحصل التمايز، ولابد أن يكون الموضوع واحدا وإلا لكان العلم غير مختص بفن واحد، والفرض خلافه، فلو كان للأصول موضوعان هما الأدلة والأحكام لم تحصل الوحدة في التخصص، لتعدد الموضوع، وهو باطل للاتفاق على أن الأصول أداة مختصة بالفقه.
الثاني: أن مرادهم من الأدلة هنا لا يخلو من ثلاثة أمور:
1 - مطلق الدليل 2 - الدليل الشرعي خاصة 3 - خصوص الدليل الذي يظهر به حكم شرعي.
والأول غير مراد قطعا وإلا لدخل بحث الدليل العقلي فيه، وهو ليس موضوعا للأصول اتفاقا.
والثاني لو جعل هو الموضوع لخرجت كثير من الأبحاث الأصولية، مثل المباحث اللغوية ومباحث حال المستفيد، فقاعدة الامر للوجوب وحمل المطلق على المقيد ليست دليلا شرعيا‘وإنما هي طريقة للكشف عن الحكم الشرعي بإعمالها في الدليل الشرعي.
ولم يبق إلا الثالث فيكون هو المراد، وهو اخص من الأول واعم من الثاني‘ فالأول يدخل فيه ماليس منه اتفاقا، والثاني يخرج منه ما هو داخل فيه اتفاقا، فتعين الثالث، فكل دليل يمكن أن يكون موصلا لحكم شرعي، ولو كان لغويا أو غيره فهو من موضوع علم الأصول.
اذا تقرر هذا، اتضح موجب الخلاف، فمن ظن أن مرادهم بالدليل هو الثاني احتاج أن يضيف إليه الأحكام، ليشمل كل مسائل الأصول، ومن اخذ بالثالث وجعله هو الموضوع لم يحتج إلى إضافة موضوع آخر إليه.
فيتعين الأخذ بالثالث حفاظا على وحدة الموضوع التي هي مناط التمايز والتخصص، والله اعلم
هذا كله بعد التسليم بالكبرى وهي: لكل علم موضوع، لان المحاججة هنا في صغرى الدليل.