[دلالة السياق ومقاصد الشريعة ودورهما في فهم النص ..]
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[23 - 04 - 08, 03:39 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد ..
إن القراّن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد جاءا ليكونا نبراسًا لحياتنا، وسراجًا يضيء لنا دربنا في الحياة الدنيا، ويقودنا إلى رضوان الله تعالى وإلى جنته ..
ومن تتبع الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة واستقرأهما حق الاستقراء، وجد أن الشريعة أتت بمقاصد أساسية ركزت عليها، ورمت إليها، بل لا يكاد ينفك نص عن خدمة مقصد من هذه المقاصد العظيمة، ومن هذه المقاصد الهامة:
1 – حفظ الدين ..
2 – حفظ النفوس المعصومة ...
3 – حفظ المال ..
4 – حفظ العرض ..
5 – حفظ العقل ..
6 – حفظ النسل ..
لذلك وجب على من أراد فهم القراّن الكريم والسنة النبوية المطهرة أن يفهمهما في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية، وإلا ضل فهمه، و ما استطاع الاستفادة الحقيقية منهما ...
وأيضًا كما يجب الاهتمام بمقاصد الشريعة، فإنه يجب النظر إلى سياق النص، وفهمه في ضوء السياق وقصد المتكلم؛ إذ إن تجريد الكلام عن سياقه قد يغير المعنى تمامًا ..
وسنحاول إن شاء الله تعالى أن نتعرض لهاتين الجزئيتين في هذه الوريقات القليلة رجاء أن يكون فيها بعض النفع لإخواني الأحباء، والله ولي التوفيق ..
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[23 - 04 - 08, 03:41 م]ـ
أولًا: قصد المتكلم أودلالة السياق ودورها في فهم النص الديني ..
- أهمية فهم مقصد المتكلم في فهم النص
إن فهم مقصد المتكلم الذي يتضح من خلال السياق له دور كبير في فهم النص أيًا كان نوع هذا النص، فأنت إن كان لك صديق يسمى مثلًا (مصطفى) فأرسلت إليه خطابًا وبدأتَه بقولك: (أخي الحبيب مصطقى) فإنه سيفهم أن المقصود (مصطفى) حتى وإن كتبتها (مصطقى)! وذلك لأنه يفهم مقصد المتكلم، فسهل عليه فهم النص، حتى وإن احتوى على خطأ إملائي ..
إذا اتجهنا إلى علم الصرف مثلًا وجدنا أن كثيرًا من المشتقات تشترك في أوزان واحدة كاسم المفعول واسم الزمان والمكان من غير الثلاثي، فكلمة (مُجتَمع) مثلًا يمكن أن تكون اسم مفعول أو اسم مكان أو زمان والذي يحدد ذلك سياق النص ومعرفة مقصد المتكلم ..
وكلمة (مِذْياع) مثلًا قد تكون اسم اّلة وقد تكون صيغة مبالغة، وتحديد ذلك راجع فقط إلى قصد المتكلم ...
وكلمة (مختار) قد تكون اسم فاعل وقد تكون اسم مفعول، و لا مرجح أمامي بينهما إلا معرفة قصد المتكلم، وقس على ذلك عشرات الأمثلة ..
فإذا اتجهنا إلى النص الشرعي المتمثل في القراّن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وجدنا أن علماءنا رحمهم الله تعالى لم يغفلوا هذا المقصد، بل نبهوا عليه، واهتموا به، وأكدوا على أن فهم الألفاظ وحدها غير كاف في فهم النص الشرعي:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
(قال الجوهري: الاستنباط كالاستخراج ومعلوم أن ذلك قدر زائد على مجرد فهم اللفظ فإن ذلك ليس طريقة الاستنباط إذ موضوعات الألفاظ لا تنال بالاستنباط وإنما تنال به العلل والمعاني والأشباه والنظائر ومقاصد المتكلم والله سبحانه ذم من سمع ظاهرا مجردا فأذاعه وأفشاه وحمد من استنبط من أولى العلم حقيقته ومعناه.
يوضحه أن الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفي على غير مستنبطه ومنه استنباط الماء من أرض البئر والعين) (1) ..
- ويقول الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه:
(فإذا كان الله لرأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف معرفة منه بأن الحفظ قد يزل: ليحل لهم قراءته وإن اختلف اللفظ فيه ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى-: كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه.
وكل ما لم يكن فيه حكم اختلاف اللفظ فيه لا يحيل معناه.
وقد قال بعض التابعين: لقيت أناسا من أصحاب رسول الله فاجتمعوا في المعنى واختلفوا علي في اللفظ فقلت لبعضهم ذلك فقال: لا بأس ما لم يحيل المعنى.) (2) ..
ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى وهو يتحدث عن سمات لغة العرب التي جاءت بها الشريعة المطهرة:
(أن من شأنها الاستغناء ببعض الألفاظ عما يرادفها أو يقاربها، ولا يعد ذلك اختلافا ولا اضطرابا إذا كان المعنى المقصود على استقامة، والكافي من ذلك نزول القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ، وفي هذا المعنى من الأحاديث وكلام السلف العارفين بالقرآن كثير، وقد استمر أهل القراءات على أن يعملوا بالروايات التي صحت عندهم مما وافق المصحف، وأنهم في ذلك قارئون للقرآن من غير شك ولا إشكال، وإن كان بين القرائتين ما يعده الناظر ببادئ الرأي اختلافا في المعنى؛ لأن معنى الكلام من أوله إلى آخره على استقامة لا تفاوت فيه بحسب مقصود الخطاب، كـ: {مَالِكِ} و "مَلِكِ" [الفاتحة: 4].
{وَمَا يَخْدَعُون َ4 إِلَّا أَنْفُسَهُم}، [البقرة: 9].) (3) ..
فنجد في النص الأول كيف وضح الجوهري وابن القيم رحمهمها الله تعالى يوضحان أن مجرد فهم الألأفاظ المجردة ليس كافيًا في فهم النص، بل لا بد من سبر غوره، كما تسبر أغوار الأرض، ويؤتى بالمياه، بل إن الذي يكتفي في فهم النصوص بمجرد اللفظ الظاهر مذموم ...
أما النص الثاني والثالث فقد وضح فيه الشافعي و الشاطبي أن من سمات لغة العرب اختلاف الألفاظ في السياق الواحد، دون أن يحدث هذا الاختلاف اختلافًا أو اضطرابًا في المعنى، وهذا يدل على أن فهم السياق ومقصد المتكلم له دور كبير في فهم النص ..
¥