و المراد بالإنطباق هنا: الإشتمال: أن تكون القضية الكلية مشتملة على جميع الجزئيات و هذا الإشتمال يكون بالقوة القريبة من الفعل لا الإشتمال بالفعل و توصف هذه القوّة بالقرب لإخراج العامي لأن العامي قد يخرّج المسألة لكن بعد زمن طويل.
و فسّر الإنطباق بـ: الحمل: مثاله: قاعدة:" الضرر يزال": حكم يجب إزالته فجئت بالمحمول الذي هو: الضرر يزال و علقتها بكل جزئية من الجزئيات فنزّلت الحكم في القاعدة على جميع الجزئيات.
9 - و قال السبكي: " القاعدة: الأمر الكلّي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منها " فيدل هذا على أن القاعدة الفقهية تكون أغلبية لأنه قال: "كثيرة " و قد حصل النزاع بين أهل العلم في ذلك و انبنى عليه خلافهم في تعريف القاعدة.
10 - هل القواعد الفقهية كليّة أم أغلبيّة؟: محل نزاع بين أهل العلم: و المشهور بأنها أغلبية و من قال بذلك لا ينفي وجود القواعد الكليّة و لكن يقول هي قليلة و باعتبار ما استثني فالقواعد كثيرة و الصواب أن الإستثناء لا ينقض القواعد الكليّة كما قرّر الشاطبي رحمه الله تعالى في الموافقات.
11 - يقول الشاطبي رحمه الله: " لا يوجد جزئي خرج عن قاعدة إلا و هو مندرج تحت كلّي أو لا يندرج تحت كلّي معارض لهذا الكلّي المستثنى منه ".
12 - و أما كون القواعد فقهية فهذا نسبة إلى الفقه و الفقه مصدر صناعي أي مولّد لم يسمع عن العرب لكنّه أنشئ و ركّب و جيء بقيد الفقهية: للإحتراز لأن كلمة القواعد ترتبط بها جميع الفنون احترازا مما ليس بفقهي.
13 - تعريف القواعد الفقهية باعتباره علما على الفن: " قضيّة كليّة شرعية يتعرّف مننها أحكام جزئياتها مباشرة " و جئنا بقيد: المباشرة لإخراج القاعدة الأصولية.
14 - الفرق بين القواعد الفقهية و الضوابط: قيل بالترادف بينهما و قيل ثمة فروق:
الضابط أصله من الضبط و هو: لزوم شيء لا يفارقه بكل شيء و ضبط الشيء:حفظه بالحزم، و الضبط: إحكام الشيء و إتقانه.
اصطلاحا: من أهل العلم من سوّى بينهما و منهم من فرّق – و هو تاج الدين السبكي – و تابعه جمع حيث نصّ على أن الغالب فيما اختصّ بباب و قصد به نظم صور متشابهة يسمّى ضابطا و هذا هو المشهور و هو الصواب مثاله:" الأصل في الماء الطهورية ".
قال السيوطي رحمه الله تعالى: " إن القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتّى متفرّقة و الضابط يجمع فروعا من باب واحد "
15 - موضوع القواعد الفقهية: القضايا الفقهية الكلية من حيث دلالتها على حكم الفروع الفقهية المتشابهة المنضبطة و الفروع الداخلة في تلك القضايا و ما استثني منها لأسباب خاصّة و ذلك لأن كل مستثنى من قاعدة لا بدّ و له سبب للإستثناء إما تخلف شرط أو وجود مانع.
16 - مباحثها و مسائلها: هي الأحوال العارضة لموضوعها.
17 - استمدادها: 1 - الكتاب و السنة.
2 - آثار الصحابة و التابعين (أقضيتهم).
3 - أقوال بعض الأئمة المجتهدين الجارية مجرى القواعد
كقول الشافعي رحمه الله تعالى: " الأمر إذا ضاق اتّسع ".
4 - الفروع الفقهية فتستخلص القواعد من تتبع الفروع بالإستقراء.
5 - اللغة العربية.
18 - فائدتها:
1 - ضبط المسائل المنتشرة المتعددة و نظمها في سلك واحد و هي
تقيّد الشوارد و تقرّب على الطالب كل متباعد.
2 - تسهيل حفظ الفروع.
3 - فهمها يطلع على حقائق الفقه و مآخذه فتكوّن للطالب ما يسمّى
بالملكة الفقهية و يمكّن من تخريج الفروع.
4 - تساعد على إدراك مقاصد الشريعة.
5 - تجنّب الفقيه التناقض و الإضطراب.
19 - الفرق بين القواعد الفقهية و القواعد الأصولية:
1 - القواعد الأصولية ناشئة عن الألفاظ العربية خاصّة و أما القواعد الفقهية فلا ترتكز على اللغة بل قد تكون نصّا.
2 - القواعد الأصولية لا يفهم منها مقاصد الشرع و حِكَمُهُ و أسراره بخلاف القواعد الفقهية مثاله: المشقة تجلب التيسير .... إلخ.
3 - القواعد الأصولية يستخرج منها حكم الجزئيات بالواسطة و ليس مباشرة بخلاف القواعد الفقهية و هذا من أهمّ الفروق.
4 - القاعدة الأصولية موضوعها الأدلة أو أعراضها (الإجماع حجّة، خبر الآحاد حجّة) و الموضوع: إما الدليل أو أفراده أما القواعد الفقهية فموضوعها فعل المكلف مثاله: لا ضرر و لا ضرار فهذا متعلّقه فعل المكلف لا الدليل.
5 - القواعد الأصولية يتوصّل بها إلى معرفة الأحكام و أما القواعد الفقهية فهي تضبط لك الجزئيات المستنبطة بواسطة القواعد الأصولية.
6 - القواعد الأصولية متقدّمة في وجودها الذهني و الواقعي على القواعد الفقهية بل القواعد الأصولية أسبق في الوجود من الفروع.
20 - حجيّة القاعدة: هل يحتجّ بها في الأحكام الشرعية؟:
المسألة محلّ تفصيل:
-تعتبر دليلا يحتجّ به إذا كان لها أصل من الكتاب أو السنّة و الإحتجاج بها لا لذاتها و لكن لما اعتمدت عليه من الأصول و هي الكتاب و السنة.
- أما ما عدا ذلك من القواعد الإستقرائية: ففي جواز الإحتجاج بها قولان لأهل العلم و جمهور الفقهاء على أنها ليست بحجّة و إنما يستؤنس بها في إثبات الأحكام الشرعية.
21 - صياغة القاعدة: لها نمط و هو الإختصار و الإيجاز في التعبير مع شمولية المعنى و قد تكون هي نفس النصّ و قد تتضمّن بعض التفصيل أو تأتي بصيغة الإستفهام إذا كانت من قواعد الخلاف.
و الله أعلم و أحكم و الحمد لله رب العالمين.
¥