تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونقل ابن عابدين في حاشيته عن الشرنبلالي قوله: "ليس على الإنسان التزامُ مذهب معين, وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدًا فيه غيرَ إمامه مستجمعًا شروطه، ويعمل بأمرين متضادين في حادثتين لا تعلق لواحدة منهما بالأخرى، وليس له إبطال عين ما فعله بتقليد إمام آخر؛ لأن إمضاء الفعل كإمضاء القاضي لا يُنقَض"اهـ ([10]). ( http://admintool.dar-alifta.org/editor/fckblank.html#_ftn10)).

ويؤيد ذلك أن الله تعالى قد أوجب اتباع العلماء من غير تخصيص بعالم دون آخر؛ إذ قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُم لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، والمستفتين في عصر الصحابة والتابعين لم يكونوا ملتزمين بمذهب معين، بل كانوا يسألون مَن تهيأ لهم دون تقيُّد بواحد دون آخر، ولم ينكر عليهم أحد.

واتباع المقلِّد لمن شاء من المجتهدين هو اتباع للحق؛ فإن جميع الأئمة على حقًّ بمعنى أن الواحد ليس عليه إلا أن يسير حسب ما هداه إليه اجتهاده، ولا ينبغي للمقلد أن يتصوَّر وهو يختار اتباع واحد منهم أن الآخرين على خطأ ([11]). ( http://admintool.dar-alifta.org/editor/fckblank.html#_ftn11)).

وأما اتباع المذاهب في إطار الدراسة والتفقه فهذا مما لا فكاك منه ولا بديل عنه؛ لأن هذه المذاهب الفقهية الأربعة المتبعة قد خُدِمت خدمة لم تتوفر لغيرها فاعتني بنقلها وتحريرها ومعرفة الراجح فيها واستدل لها وترجم لأئمتها بما جعل كل واحدة منها مدرسة مستقلة لها أصول معلومة وفروع محررة يتحتم على من أراد التفقه في الدين أن يسلك أحدها متعلمًا ودارسًا ومتدربًا، فتكون بدايته هو من حيث انتهوا هم.

بعض الاعتراضات التي وردت على التقليد والتمذهب:

الاعتراض الأول: الدليل الذي أوجب الشرع علينا اتباعه هو الكتاب والسنة، وليس كلام الأئمة.

جوابه: الدليل ليس هو الكتاب والسنة فقط، بل الدليل يشمل أيضًا الإجماع، والقياس، وقول الصحابي، وشرع من قبلنا، والعرف، والاستحسان، وغير ذلك.

وفَهْمُ معنى الدليل على أنه الكتاب والسنة فقط قصور ظاهر؛ لأن الدليل معناه أعم من أن يكون محصورًا في الكتاب والسنة فقط، فالكتاب والسنة إنما هي نصوص يستنبط ويستخرج منهما المجتهد الأحكام، وكذلك من غيرهما من الأدلة.

وكذلك فإن أقوال الأئمة المجتهدين ليست قسيمًا للكتاب والسنة، بل إن أقوالهم هي نتاج فهمهم لهما، فأقوالهم تفسير وبيان للكتاب والسنة.

فالأخْذ بأقوال الأئمة ليس تركًا للآيات والأحاديث، بل هو عين التمسُّك بهما، فإن الآيات والأحاديث ما وصلت إلينا إلا بواسطتهم، مع كونهم أعلم ممن بعدهم بصحيح الأحاديث وسقيمها، وحسنها وضعيفها، ومرفوعها ومرسلها، ومتواترها ومشهورها، وتاريخ المتقدم والمتأخر منها، والناسخ والمنسوخ، وأسبابها، ولغاتها، وسائر علومها مع تمام ضبطهم وتحريرهم لها.

وهذا كله مع كمال إدراكهم وقوة ديانتهم، واعتنائهم وورعهم ونور بصائرهم، فتفقهوا في القرآن والسنة على مقتضى قواعد العلوم التي لابد منها في ذلك، واستخرجوا أسرار القرآن والأحاديث، واستنبطوا منها فوائد وأحكاما، وبيَّنوا للناس ما يخفى عليهم على مقتضى المعقول والمنقول، فيسروا عليهم أمر دينهم، وأزالوا المشكلات باستخراج الفروع من الأصول، ورد الفروع إليها، فاستقر بسببهم الخير العميم ([12]). ( http://admintool.dar-alifta.org/editor/fckblank.html#_ftn12)).

الاعتراض الثاني: نرى المقلدة لا يترك أحدهم مذهبه إذا رأى حديثًا يخالفه، وهذا من التقديم بين يدي الله ورسوله.

ويجيب عن هذا الاعتراض الشيخ الكيرانوي في كتابه "فوائد في علوم الفقه"، فيقول: "هذا هو منشأ ظنكم الفاسد، واعتقادكم الباطل أنَّا نُرجِّح قول الإمام على قول الله ورسوله مع أن الأمر ليس كذلك، وحقيقة الأمر أن ظهور قول الله ورسوله على خلاف قول الإمام موقوف على أمرين:

أحدهما: أن يعلم أن ذلك قول الله والرسول.

والثاني: أن يعلم أنه مخالف لقول الإمام.

ولا علم عند المقلِّد بأحد من هذين الأمرين؛ لأن هذا العلم موقوف على الاستدلال، والمقلِّد إما لا يقدر عليه أصلا، أو يكون استدلاله غير قابل للاعتبار شرعًا كاستدلال مَن استدل على وجوب الغسل على المشجوج بآية التيمم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير