فإن كان الوصف مناسبا مستكملا لشروط تصحيح عليته إلا أنه غير ظاهر فإن الحكم يعلق بمظنته الظاهرة المدركة.
ومعنى الظهور هنا هو: الإدراك حسا بأحد الحواس الخمس أو عقلا أو وجدانا.
فإذا كان الوصف انفعاليا وجدانيا، أو عملا من أعمال القلوب، كان الوصف ظاهرا مدركا عند المتلبس به، لأنه يحسه وجدانا ويعلم بتحققه في باطنه، لكنه وصف خفي عند غيره، فلا يدركه إلا بآثاره الخارجية.
فإن كان الحكم متوجها للمتلبس بالفعل الوجداني جاز التعليل به، لأنه وصف ظاهر في حقه، وإن لم يكن ظاهرا في حق غيره.
والخطاب بالتكليف منوط به لا بغيره، فجاز تعليق الحكم به.
وإن كان متوجها لغيره لم يجز التعليل به، لأن غيره لا يمكنه أن يدرك هذا العمل القلبي، فإن كان لهذا الوصف الخفي آثار خارجية تلازمه، جاز التعليل به، لأن ثبوت الأثر دليل على ثبوت المؤثر، فالأثر متولد عن العلة التي هي مناط الحكم، فوجوده دليل على وجودها، ولأن علة المنع من التعليل بالوصف الخفي هو عدم التحقق من إدراكه، فإذا كانت له ملزومات مدركة حسا، انتفت علة المنع، فثبوت الملزوم يستلزم ثبوت اللازم.
وغاية الأمر: أنه تارة يُدرك وجود عين الوصف حسا، وتارة يُدرك أثره الدال عليه.
فهناك أحس بالعلة نفسها، وهنا أحس بأثرها المتفرع عنها.
فان لم تكن محسوسة بنفسها ولا بأثرها لم يجز التعليل بها، لعدم التمكن من الاطلاع على وجودها.
وبعبارة أخرى: إن كان هو الحاكم على نفسه جاز تعليق الحكم بالوصف الانفعالي، وبالوصف الذي يخفى على غيره، لأنه هو الحاكم على نفسه لا غيره.
وان كان الحاكم عليه غيره لم يجز إناطة الحكم بالوصف الخفي الذي لا يصاحبه ما يدل عليه، وجاز إن صاحبه ما يدل عليه.
وذلك مثل القتل العمد، فكونه عمدا عملٌ قلبي، والحاكم فيه عليه غيره، وهو القاضي، والقاضي لا يمكنه أن يطلع على تحقق هذا الوصف، أو على انتفائه عنه، فيعلق الحكم بالمظنة، وهي هنا الآلة المستخدمة في القتل.
ومثل كون البلوغ العقلي واستواء الفكر حدا لشغل الذمة بالتكاليف، لكنه وصف غير ظاهر، ولا منضبط، فيناط الحكم بمظنته، وهي الأوصاف الظاهرة المدركة حسا، كالإنبات والحيض والاحتلام والعمر.
والاستواء العقلي قد يخفى على الإنسان نفسه، وعلى غيره.
ومثل كون الغضب علة لمنع القضاء، فان الحكم بعدم القضاء متوجه للقاضي نفسه، فيجوز إناطة الحكم به، لأنه يدركه من نفسه وجدانا، ولا يُنظر هنا إلى الآثار الخارجية، لأن الغضبان هو المطلوب منه الكف عن تصدير الأحكام القضائية في هذه الحال، لا أنه مطلوب من غيره كفه عن القضاء.
والتعليل بالغضب تعليل بعلة قاصرة، أو تعليل بدليل العلة، أو تعليل بمعلولِ علة، فالعلة هي تشويش الفكر، والغضب سببها، فهو سبب لا علة، أو هو علة والتشويش هو الحكمة، والحكمة هي علة العلة، ولكون الحكمة وصفا غير منضبط أنيط الحكم بمظانه وأسبابه، وهي الغضب والحزن والعطش والجوع المانعة من استيفاء النظر.
وكذلك النهي عن الصلاة عند مدافعة الأخبثين، فمدافعة الأخبثين هي مظنة لانتفاء الخشوع، فيُلحق بها ما كان مظنة وسببا لانتفاء الخشوع.
وهذه العلة هي وصف ظاهر في حق الحاقن، يدركها حسا، لكنها وصف غير ظاهر في حق غيره، فغيره لا يطلع على هذا الوصف، فيجوز التعليل بها لكون الحكم متوجها للحاقن نفسه.
وكذلك المرض مورد للترخص، وقد يصاحبه من الآثار ما يكون دليلا على حصوله، وقد يصاب بمرض تخفى آثاره على غيره، أو لا تكون له دلائل خارجية، فلا يُقدح في التعليل به بكونه وصفا خفيا، لان أحكام الترخص متوجهة للمريض نفسه، وهو يدرك مرضه، فهو وصف ظاهر في حقه، وان خفي على غيره.