وقواعد أخرى.
أمّا المصنّفات الّتي أدخلت ضمنها موضوعات فقهيّة أو عقائديّة؛ فمنها:
(القواعد النّورانية الفقهيّة) لشيخ الإسلام تقيّ الدّين أبي العبّاس أحمد بن تيمية (ت:728 ه) حيث رتّب كتابه حسب الترتيب المعهود في الموضوعات الفقهيّة، وذكر في كلّ موضوع منها القواعد والضّوابط الّتي تحكمها، واختلاف مذاهب الفقهاء، مع الاستدلال لكلّ مذهب وما يتفرّع عن ذلك من مسائل فقهية يفيض في ذكرها أحيانا، كما يبيّن القواعد في العديد من المواطن بصورة غير مباشرة عند مناسبات مختلفة.
فالحاصل أن الطّابع العامّ للكتاب يظهر تعرّض المصنّف للمسائل الخلافيّة من عبادات ومعاملات بالبحث الموسع مقرونا بالأدلّة والمناقشة، وإن تخلّله بعض القواعد الفقهيّة المهمّة إلا أنّه لا يتراءى فيه النّمط المألوف في تقرير القواعد، فهو بالكتب الفقهيّة أشبه، وقد احتوى الكتاب على طائفة من القواعد والضّوابط والشّروط الّتي لا يسمّى أكثرها قواعد، وممّا أومأ إليه المصنّف ... (29):
(إذا تعذّر جمع الواجبين قدّم أرجحهما، وسقط الآخر بالوجه الشّرعي) ... (30).
(إنّ المشكوك في وجوبه لا يجب فعله، ولا يستحبّ تركه، بل يستحبّ فعله احتياطا) ... (31).
(كلّ ما كان حراما بدون الشّرط، فالشّرط لا يبيحه؛ كالربا، والوطء في ملك الغير، وكثبوت الولاء لغير المعتق، وأمّا ما كان مباحا بدون الشرط، فالشّرط يوجبه كالزّيادة في المهر والثّمن والرّهن، وتأخير الاستيفاء) ... (32).
هذا، وجدير بالملاحظة والتنبيه أنّ الكتاب وإن سمّى بعض القواعد والأصول؛ فإنّما يعني بالأصول: العبادات الشرعيّة المعروفة كالصّلاة والزّكاة والصّيام والحجّ، لكلّ واحد منها أصل، أمّا القواعد فأطلقت على خمس وهي:
القاعدة الأولى: في صيغ العقود.
القاعدة الثانية: في المعاقد حلالها وحرامها.
و الثّالثة: في العقود والشروط فيها.
والرّابعة: في الشّرط المتقدّم على العقد.
والخامسة: في الأيمان والنذور.
(المنثور في القواعد) للإمام بدر الدّين محمّد بن بهادر بن عبد الله الزّركشي الشّافعي (ت:794 ه) فقد جمع فيه المؤلّف القواعد والضّوابط الفقهيّة المقررة، مع تحرير فروع المذهب الشّافعي، كما أدخل فيه موضوعات فقهيّة هامّة تحت عنوان قاعدة، وأبوابا فقهيّة مستقلّة مع البيان والتمحيص وذكر الضّوابط لها، والتّنبيهات عليها كأحكام الفسخ وأحكام النيّة وجلسات الصّلاة وأحكام الدّين ... (33).
الزمرة الرّابعة:
كتب لم تتضمّن قواعد فقهيّة بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، بل يهدف مؤلّفوها إلى الجمع بين قاعدتين متشابهتين، مع بيان الفرق الواقع بينهما؛ ليتمّ تفريع المسائل عليهما، فمن أجلّ المصنّفات بهذا المعنى وأغزرها مادّة ما يأتي:
(أنوار البروق في أنواء الفروق) للإمام شهاب الدين القرافي (ت:684 ه) المشتهر ب (فروق القرافي)، ضمّن مؤلّفه خمسمائة وثمانية وأربعين قاعدة، مع إيضاح كلّ قاعدة بما يناسبها من الفروع ... (34)، بعدما كانت مفرّقة في أبواب الفقه من كتابه (الذخيرة) وجمعها في مؤلّف مستقلّ، وزاد في تلخيصها وبيانها والكشف عن أسرارها وحكمها، وأضاف إليها قواعد ليست في (الذخيرة)، وتمثّل منهجه في استنباط الفرق بين قاعدتين ليتمّ تحقيقهما، حيث إنّ تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما أولى من تحقيقهما بغير ذلك ... (35)، غير أنّ هذه القواعد تبقى في الغالب الأعم في معنى الأحكام الأساسية في كلّ موضوعين متشابهين ليتجلّى الفرق بينهما، مثل قاعدة: (الإنشاء والخبر) وقاعدة: (المعاني الفعليّة والحكميّة)، والفرق بين (المشقّة المسقطة للعبادة والّتي لا تسقطها) ... (36)، وغيرها ممّا لا يظهر فيه المعنى المحدّد في الاصطلاح؛ لأنّ مفهوم (القاعدة) أوسع عنده، فهو يطلقها على ضوابط وأحكام أساسيّة أيضا.
أمّا القواعد الفقهيّة بالمعنى الاصطلاحي؛ فهي متناثرة في فصول مختلفة من الكتاب، تظهر عند تعليل لعض الأحكام أو مناقشة توجيه الآراء الفقهيّة.
¥