والجدير بالملاحظة أنّ المؤلّف لم يكن غرضه من وضع قواعده الفقهيّة: هو جمعها والتّنسيق بينها على النّمط الاصطلاحي المعهود، وإنّما قصده من ذلك: هو ما أفصح عنه بقوله: (الغرض بوضع هذا الكتاب بيان مصالح الطّاعات والمعاملات وسائر التّصرّفات لسعي العباد في تحصيلها وبيان مقاصد المخالفات لسعي العباد في درئها، وبيان مصالح العبادات ليكون العباد على خبر منها، وبيان ما يقدّم من بعض المصالح على بعض، وما يؤخّر من بعض المفاسد على بعض، وما يدخل تحت اكتساب العبيد مما لا قدرة لهم عليه ولا سبيل لهم إليه) .... (39)، والمؤلّف وضع القواعد المصلحيّة في مباحث وفصول مختلفة وعالجها معالجة قويمة، وكشف من خلالها على أسرار التشريع وحكمه لذلك فالكتاب حريّ أن يدرج ضمن مصنّفات مقاصد الشريعة الإسلاميّة لا مع كتب القواعد الفقهيّة.
(القوانين الفقهيّة في تلخيص مذهب المالكيّة) ... (40)
للإمام أبي القاسم محمّد بن أحمد ابن جزي ... (41) الغرناطي المالكي (ت: 741 ه).
فإنّ عنوان الكتاب وتسميته بالقوانين؛ يوحي بوجود علاقة وطيدة بعلم قواعد الفقد، ولكنّه عند التحقيق لا صلة له البنّة في مضمونه بالقواعد الفقهيّة، إذ لا يخرج عن كونه كتابا فقهيا يتضمّن تلحيصا لمذهب مالك، والإشارة إلى مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد – رحمهم الله تعالى .. (42) -، كما يذكر المسائل والأقوال غير مقرونة بأدلّتها مبتدئا بمذهب مالك ثمّ يتبعه بالمذاهب الأخرى، وافتتح كتابه بعشرة أبواب في العقائد وأعقبه بنفس التّقسيم العددي للأبواب في المسائل الفقهيّة وذيّله –أخيرا- بكتاب جامع في السيرة وتاريخ الخلفاء والأخلاق.
الزمرة السادسة:
يتمثّل منهج التأليف في هذا الجانب بتخصيص قاعدة معيّنة بالدّراسة والبحث من بين القواعد الكبرى أو من عموم القواعد العامّة الأخرى، ونذكر منها:
(الأمنية في إدراك النيّة) للقرافي أبي العبّاس أحمد بن إدريس (ت: 684 ه).
(الإخلاص والنيّة) لابن أبي الدّنيا أبي بكر عبد الله بن محمّد (ت: 281 ه).
(نهاية الإحكام في بيان ما للنيّة من أحكام) لأحمد بن يوسف الشّافعي (ت: 1332 ه).
(الفعل الضّار والضّمان فيه) لمصطفى أحمد الزرقا.
(الضّرورة والحاجة وآثارهما في التشريع الإسلامي) للأستاذ عبد الوهاب إبراهيم أبي سليمان.
(التّحرير في قاعدة المشقّة تجلب التيسير) للأستاذ عامر سعيد اليباري.
(العرف والعادة في رأي الفقهاء) للشيخ أحمد فهمي أبي سنّة.
(القاعدة الكليّة: إعمال الكلام أولى من إهماله) للشّيخ محمّد مصطفى هرموش.
(قاعدة: اليقين لايزول بالشكّ) للدّكتور يعقوب عبد الوهّاب الباحسين.
ولا يخفى أنّ هذه الدراسات الخاصّة بقاعدة فقهيّة واحدة تعتمد أساسا على الكتب المؤلّفة في القواعد الكليّة الّتي تمدّها من غزارة المادة العلميّة والفقهيّة لتسهيل تناولها ضمن دراسات متخصّصة ودقيقة.
هذا؛ وقد نبّه بعض الأئمة إلى اختلاف مناهج المؤلفين في ترتيب القواعد الفقهيّة موضوعا ومضمونا، وعدم مراعاة المعنى الاصطلاحي المحدّد لكلمة (قاعدة كليّة)، فضلا عن دمج القواعد الفقهيّة مع غيرها من القواعد الأصوليّة والموضوعات الفقهيّة، ومباحث المآخذ والعلل الّتي يشترك فيها طلبا لجميع المشتركات في قدر مشترك، وإدخال مثل ذلك في القواعد يعدّ خروجا عن التحقيق، ووفق هذا المنظور المنهجي، قال ابن السّبكي في مجموعة فصول: (وراء هذه القواعد ضوابط يذكرها الفقهاء، وليست عندنا من القواعد الكليّة، بل من الضّوابط الجزئيّة الموضوعة لتدريب المبتدئين، لا لحوض المنتهين، ولتمرين الطّالبين، لا لتحقيق الرّاسخين، وهي مثل قولنا: العصبة كلّ ذكر ليس بينه وبين الميّت أنثى، الولد يتبع أباه في النسب وأمّه في الرّق، وأنحاء ذلك، وعندي أنّ إدخالها في القواعد خروج عن التّحقيق ولو فتح الكاتب بابها لاستوعب الفقه وكرّره وردّده وجاء به على غير الغالب المعهود والتّرتيب المقصود، ومن النّاس من يدخل في القواعد تقاسيم تقع في الفروع يذكرها أصحابنا، فهي أقسام كثيرة ولا تعلّق لهذا بالقواعد رأسا، ويقرب منها تعديد فرق النّكاح وأقسام البياعات، ومنهم من يدخل المآخذ والعلل، ومن يعقد فصلا لأحكام الأعمى، وآخر لأحكام الأخرص، وهذا أيضا ليس من
¥