تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إجماع المدنيين على نقل الآثار.

إن إجماع أهل المدينة إذا ذكر فإنما يراد به إجماعهم على نقل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي توارثها أهل المدينة عمليا وقد قامت كثرة العاملين بها، أو الحافظين لها مقام التواتر الذي يستحيل عقلا أن يتواطأ ناقلوه على الكذب.

لقد فصل عياض القول في أنواع الإجماع المدني وأرجعه إلى أربعة أنواع:

1. نقل شرع من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2. نقل شرع من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3. نقل إقرار منه عليه السلام لفعل، ووقع بمحضره أو انتهى إليه العلم به.

4. نقل تركه لأمور لم يلزم الصحابة بها مع علمه بتركهم لها.16

لقد جمع عياض هذه الأنواع من النقل المجمع عليه في نص جامع قال فيه: أما نقل الشرع من جهة النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل كالصاع والمد وأنه عليه السلام كان يأخذ منهم بذلك صدقاتهم وفطرتهم وكالآذان والإقامة، وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وكالوقوف والأحباس، فنقلهم لهذه الأمور من قوله وفعله، كنقلهم موضع قبره ومسجده ومنبره ومدينته وغير ذلك مما علم ضرورة من أحواله وسيره وصفة صلاته من عدد ركعاتها وسجداتها وأشباه هذا أو نقل إقراره عليه الصلاة والسلام لما شاهده منهم ولم ينقل عنه إنكاره كنقل عهدة الرقيق وشبه ذلك، أو نقل لتركه لأمور وأحكام لم يلزمهم إياها مع شهرتها لديهم وظهورها فيهم كتركة أخذ الزكاة من الخضراوات مع علمه عليه السلام بكونها عندهم كثيرة17.

لقد تداول كثير من أصوليي المالكية قبل عياض وبعده إجماع أهل المدينة فرأوا أن ما لا يختلف فيه هو إجماعهم على النقل، وأما إجماعهم الاجتهادي فهو محكوم بقوة الدليل وقد يكون العمل مرجحا في حال تكافؤ الأدلة.

يقول القاضي عبد الوهاب المالكي (ت422) قبل عياض: إجماع أهل المدينة نقلا حجة تحرم مخالفته، ومن طريق الاجتهاد مختلف في كونه حجة والصحيح عندنا أنه يرجح به على غيره، ولا يحرم الذهاب إلى خلافه، وأما إجماعهم من طريق النقل أو ما في معناه فإنه ينقسم إلى: نقل قول، ونقل فعل، ونقل إقرار، ونقل ترك، وعليه أصحابنا الكلام في كثير من مسائلهم واحتجوا به على مخالفهم وتركوا له أخبار الآحاد والمقايس وهو مثل الآذان والإقامة وتقديم الآذان للفجر قبل وقتها والصاع والمد وترك الزكاة من الخضراوات وإثبات الأحباس والوقوف ودليلنا على كونه حجة اتصال نقله على الشرط المراعى في التواتر من تساوي أطرافه وامتناع الكذب والتواطؤ والتواصل والتشاعر وهذه صفة ما يحج نقله18.

ولقد انتصر ابن تيمية لهذا الموقف فقال: إن عمل أهل المدينة الذي يجرى مجرى النقل حجة باتفاق المسلمين، كما قال مالك لأبي يوسف لما سأله عن الصاع والمد وأمر أهل المدينة بإحضار صيعانهم وذكروا له أتم إسنادها عن أسلافهم، قال: أترى هؤلاء يا أبا يوسف يكذبون، قال: لا والله ما يكذبون، قال: إني حررت هذه الصيعان فوجدتها خمسة أرطال، وثلث بأرطالكم، يا أهل العراق، قال: رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت19.

واقتناعا بحجية عمل أهل المدينة، فقد خالف أبو يوسف، ومحمد بن الحسن مذهب أبي حنيفة فقالا: بسقوط الزكاة فيما دون خمسة أوسق، وقالا: بلزوم الوقف، ولقد خالفا أبا حنيفة في ثلث مذهبه أو أكثر20.

وتسليما من كثير من العلماء بقوة حجة الفقه المدني المؤسس على الإجماع على النقل، فقد صرح غير واحد منهم بأن ذلك في الذروة من الصحة والقبول.

يقول الإمام أحمد: إن أهل المدينة إذا رأوا حديثا ثم عملوا به فهو أصح ما يكون21.

وتحدث أبو الخطاب الكلواذي من أصوليي الحنابلة عن مرجحات الحديث فذهب إلى أن منها عمل أهل المدينة متى عارضه حديث آخر فقال عن هذا الترجيح: قال شيخنا لا يرجح، وقال أصحاب الشافعي: يرجح، وهو أقوى عندي، لأن الظاهر بقاؤهم على ما كان أسلافهم عليه، وهم الصحابة، فرجح بذلك22.

وقد أشار شمي الدين ابن مفلح المقدسي من الحنابلة إلى أن ابن عقيل اقر في كتابه النظريات الكبار بأن إجماع المدنيين على النقل حجة، وقال: إنه أراد بذلك المنقولات المستمرة كأذان وإقامة23.

وبعد:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير