لأجل ذلك أضحى من الضروري السعي إلى استحداث كتب جديدة تقرب مسائل العلم إلى طلبته، يتجنب فيها المسائل الإضافية والمناقشات اللفظية، والآراء المحدثة الخارجة عن مذاهب السلف، ويتحرى فيها ربط القواعد بالأمثلة الفقهية الصحيحة، إضافة إلى توخي الترتيب المنظم الميسر للفهم والحفظ، عسى أن يسترجع هذا العلم مكانته وتعرف له أهميته.
وهذا البحث المتواضع جهد ضئيل من عبد ضعيف، ومساهمة في هذا الإتجاه والمسعى المراد تحقيقه، اعتمدت فيه على جملة من المصادر الأصولية مما صنف المتقدمون والمتأخرون، كالرسالة للشافعي، واللمع للشيرازي، ومفتاح الوصول للتلمساني، ومباديء الأصول لابن باديس رحمهم الله تعالى، وأرجوا أن أكون قد وفقت إلى الوفاء بالأوصاف التي ذكرت والشروط التي اشترطت.
وقد جعلت البحث في مقدمة وفصلين وخاتمة، أما المقدمة فضمّنتها الأحكام الشرعية، وأما الفصل الأول فبينت فيه الأدلة الشرعية التي يصح الاستدلال بها، وأما الفصل الثاني فجعلته لكيفية الاستدلال بالنصوص الشرعية، أو شروط صحة الاستدلال بها، وأخيرا في الخاتمة وضحت شروط الإجتهاد وقضية تجزؤ الإجتهاد، وقد سميته:
(تيسير الوصول إلى الضروري من علم الأصول)
وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يتجاوز عما زل فيه قلمي، ونأى فيه عن الصواب فهمي، وأن يهديني إلى الحق ويثبتني عليه، آمين.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
مباديء علم الأصول
أولا: موضوع علم أصول الفقه
إن الناظر في كتب أصول الفقه يجدها قد حوت مسائل متعددة تجمعها أبواب كبرى، ويجد المصنفين لهذه الكتب قد إختلفوا في تحديد هذه الأبواب على عدة طرائق، فمنهم من جعلها بابين الأدلة وطرق الاستدلال، ومنهم من جعلها ثلاثة أبواب بإضافة باب الأحكام الشرعية، أو إضافة باب الإجتهاد، ومنهم من جعلها أربعة أبواب بإضافة البابين المذكورين معا.
وأولى الطرائق هي الطريقة الأولى، لأن المقصود من العلم معرفة الدليل وكيفية الاستدلال به، أمّا الأحكام الشرعية فبيانها من باب المقدمات والمصطلحات الفقهية؛ التي توضّح قبل الشروع في مسائل العلم، وكذلك أحكام الإجتهاد فهي مسائل معدودة، وحقها أن تجعل خاتمة لمسائل العلم.
ثانيا: تعريف علم أصول الفقه
المختار في تعريف أصول الفقه بناء على ما سبق أنه (العلم الذي يعرف به الدليل ومرتبته وكيفية الاستدلال به) (1). فهو العلم الذي يعرف به الدليل الإجمالي كالكتاب والسنة والإجماع، ومرتبة هذا الدليل من حيث الحجية، ثم كيفية الاستدلال ويدخل في ذلك مسائل الدلالات كالعموم والخصوص والأوامر والنواهي ونحو ذلك. قال ابن دقيق العيد معلقا على من زاد في الحد (حال المستفيد) أي أحكام الاجتهاد: (يمكن الاقتصار على الدلائل وكيفية الاستفادة منها، والباقي كالتابع والتتمة، لكن لما جرت عادة المصنفين بإدخاله في أصول الفقه وضعا أدخل حدا) (2).
ثالثا: فائدة علم أصول الفقه
لعلم أصول الفقه فوائد كثيرة يمكن تلخيصها في النقط الآتية:
1) التمييز بين الاستدلال الصحيح والاستدلال غير الصحيح ثبوتا ودلالة، كإثبات القياس ورد الحديث المرسل.
2) معرفة مرتبة الدليل الصحيح، كتقديم النّص على القياس، وتقديم النص الخاص على النص العام.
3) الوقوف على أسباب الخلاف بين الفقهاء ممّا يرجع إلى مسائل الأصول، وذلك من شأنه تسهيل الترجيح في مسائل الفقه الخلافية.
4) العلم بالأصول شرط أساسي من شروط الاجتهاد، إذ من قصر في العلم به قصر في اجتهاده ووقع في التناقض، وكذلك تحصيله شرط في الارتقاء إلى رتبة الإتّباع عن حضيض التقليد، ومن لم يعرف الدليل وصحته لا يجوز له ادعاء الإتباع.
رابعا: تدوين علم أصول الفقه
¥