تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قعد الإمام الشاطبي رحمه الله قواعد نظرية مآلات الأفعال، والتي هي بحق مسلك الناظر في الوقائع، المجتهد في النوازل، الباحث عن موارد الأحام، المتثبت من مداركها الشرعية، المحقق لمناطاتها، وهو رحمه الله حين صاغ هذه النظرية لم يكن ذلك عنده من قبيل التصور التجريدي، بل إن أبعاد النظرية عنده ممتدة في أصول وقواعد التشريع.

ولذلك أول ما نلحظه في موافقات الإمام حين تقعيده للنظرية هذه الكلمات الجميلة: " {النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم علي فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالأقدام أو بالإحجام إلا بعد نظرة إلي ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل علي خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسده تنشأ عنه، أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل علي خلاف ذلك.

فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدي استجلاب المصلحة فيه إلي مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذ أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدي استدفاع المفسدة إلي مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا انه عذب المذاق، محمود الغب، جار علي مقاصد الشريعة.}. الموافقات: 4/ 194 - 195.كانت هذه الكلمات هي عمق النظرية، ثم انطلق رحمه الله في تفصيل متضمناتها والقواعد التي تندرج تحتها، والتي تشكل بمجموعها قواعد النظر الاجتهادي، والتي لا يتسير لمجتهد أن يقوم بوظيفته الشرعية دون أن يكون لنظره من هذه القواعد نصيب.

واختصارا للموضوع، نورد هنا فقط ما تعلق بالقواعد التي ذكرها الشاطبي رحمه الله تعالى، دون أن نعمق الحديث فيها لأن غرضنا هنا فقط هو الاستفادة من هذه القواعد في تحصيل المعاني التي أردناها من هذا المبحث.

1 - سد الذرائع:يقول الشاطبي رحمه الله: " وهذا الأصل - النظر في مآلات الأفعال - ينبني عليه قواعد كثيرة، منها قاعدة الذرائع التي حكمها مالك في أكثر أبواب الفقه، لأن حقيقتها التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة ... " 4/ 198.

2 - الاستحسان: " ... فهذا كله يوضح أن الاستحسان غير خارج عن مقتضى الأدلة، إلا أنه نظر إلى لوازم الأدلة ومآلاتها ... والحاصل أنه مبني على اعتبار مآلات الأعمال، فاعتبارها لازم في كل حكم على الإطلاق ... " 4/ 209.

3 - مراعاة الخلاف: يقول رحمه الله تعالى: " ومنها قاعدة مراعاة الخلاف، وذلك أن الممنوعات في الشرع إذا وقعت فلا يكون إيقاعها من المكلف سببا في الحيف عليه بزائد على ما شرع له من الزواجر أو غيرها ... وهذا كله نظر إلى ما يؤول إليه ترتيب الحكم بالنقض والإبطال من إفضائه إلى مفسدة توازي النهي أو تزيد ... " 4/ 198.

4 - قاعدة الحيل: قال الشاطبي: " فإن حقيقتها المشهورة تقديم عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي وتحويله في الظاهرإلى حكم آخر، فمآل العمل فيها خرم قواعد الشريعة في الواقع ... ".فالحاصل إذن من هذا أن هذه القواعد ومن بينها مراعاة الخلاف تشكل في مجموعها نظرية مآلات الأفعال، وهذه القواعد تخول للمجتهدأن يحقق مناطات الأحكام ويضبط مواضع تنزيلها، ومن ثم يوازن بين الصالح والمفاسد، ويترصد نتائج ذلك.

وتظهر علاقة مراعاة الخلاف بالإستحسان بشكل أوضح، كيف ذلك؟ الجواب:من المعلوم أن الأصوليين قسموا الإستحسان إلى أنواع، وقد جزم الشاطبي رحمه الله أن مراعاة الخلاف هي نوع من الإستحسان، ويمكن أن نرصد مظاهر هذه العلاقة فيما هو آت:

* إذا كان الإستحسان عند الكثيرين عدولا عن القياس لمعنى مؤثر، فإن مراعاة الخلاف هي أيضا صورة لهذا العدول مع خلاف ظاهري، وهو أن المستحسن إنما يعمل بمقتضى دليله، في حين أن مراعي الخلاف يعمل بمقتضى دليل مخالفه، وفي ذلك يقول أبو الحسن بن القاسم التجيبي الزقاق (912 هـ) في لاميته:

وهل يراعى الاختلاف لا نعم**** وعاب اللخمي عياض عدم

قيس وقد أجاب نجل عرفه **** بأنه إعمال من قد عرفه

* إن الإستحسان ترخص واستثناء لوجود معارض، ومرعاة الخلاف كذلك، والمعارض هنا دليل المخالف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير