* إن الإستحسان ليس من القواعد المطردة، وكذلك مراعاة الخلاف، وهذا ما عبر عنه ابن أبي كف في قوله: " ورعي خلف .... ".
* إن المصلحة والمفسدة هما معيارا العمل بالإستحسان، وقد بين الشاطبي كل ذلك ضمنيا حين حديثه عن مراعاة المآل آنفا، وكذلك مراعاة الخلاف فإن معيار اللجوء إليه هو المصلحة والمفسدة، وذلك عندما يقع الفعل على مقتضى قوله، فيصححبعد وقوعه بعد أن كان ممنوعا ابتداء، درءا لمفسدة تترتب على عدم تصحيحه، أو جلبا لمصلحة تحصل بتصحيحه. ابن الشيخ: 159 ..
من هنا تتضح علاقة مراعاة الخلاف ببعض أصول مذهب مالك رحمه الله، وموقعها منها، ومدى ارتباطها بمبدأ المصالح والمفاسد، ومن ثم نقول: إن مراعاة الخلاف ليست عبثا فكريا أو اجتهاديا، إنما هي قاعدة أوأصل العمل بها إنما هو لمصلحة تستجلب أو لممفسدة تدفع، فلا تخرج بذلك عن مقتضيات أحكام الشريعة، والروح العامة للتشريع.
3 - التعسف في استعمال الحق-
1 - مفهوم الحق:
لن ندخل هنا في البحث عن تعريف الحق، ذلك أن القدامى من الفقهاء لم يعنوا كبير عناية ببيان مفهوم الحق لوضوحه عندهم استنادا إلى المعاني اللغوية وإن كان الأصوليون تناولوه ضمن مباحث المحكوم به، لكن الفقهاء المعاصرين وفي ظل التطورات العصرية الحديثة، وأهم من عني بهذا الأمر الدكتور فتحي الدريني، وخاصة في كتابه: " الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده ".أورد الدكتور فتحي الدريني تعريفا متعددة وضعها عدد من الفقهاء المعاصرين لمفهوم الحق، ترددت بين كونه مصلحة في حد ذاته وكونه وسيلة إلى مصلحة، وبين كونه اختصاصا أو استيفاء، وكلها تعاريف تعقبها الدكتور الدريني ببيان أوجه القصور فيها، ليخلص في الأخير إلى تعريف جامع مانع في نظره، حيث يقول: " الحق اختصاص يقر به الشرع سلطة على شيء أو اقتضاء أداء من آخر تحقيقا لمصلحة معينة " الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده: 193.والبحث يتبنى هذا التعريف لكونه يتماشى مع السياق العام للمبحث الذي نحن بصدده، وهنا لا بد من إيراد التحليل الذي وضعه الدكتور الدريني لتعريفه بتصرف يسير:
- اختصاص: هو انفراد أو استئثار، وعلاقة بين المختص والمختص به الذي قد يكون هو الله تعالى، وقد يكون شخصا حقيقيا أو معنويا، وهو بذلك لا يعتبر الإباحة أو الرخصة، مما هو مباح للعموم الانتفاع به دون استئثار.
- يقر به الشرع: أي أن هذا الاختصاص شرعي، بمعنى أن الاختصاص الواقعي مفتقر إلى إقرار الشرع له، ومثال ذلك أن الغاصب ليس بمالك للمغصوب رغم كون الحيازة متحققة في الواقع، فلا يعطيه الشرع حق التصرف في المغصوب لأنه ليس في ملكه شرعا، والاختصاص الشرعي مقيد كذلك بحتمية ألا يكون في تصرف المختص بالحق إضرار بالغير.
- سلطة على شيء أو اقتضاء أداء من آخر: ومعنى ذلك أن هذا الاختصاص يمكن المختص سلطة شرعية على ما اختص به كحق المالك فيما يملكه، وحق الدائن في ما أخذه المدين، وحق الراهن في ما أخذه المرتهن، ومنفعة الأجير ....
- تحقيقا لمصلحة معينة: فصاحب الحق مطلوب منه أن يتغيى تحقيق المصلحة التي من أجلها اختُصَّ به، فمتى وقع منه ما يخالف ما قصده الشارع انتفت المشروعية عن سلطته في استعمال حقه ووجب تقييده.
2 - التعسف في استعمال الحق:
قال الشاطبي رحمه الله: " لما ثبت أن الأحكام شرعت لمصالح العباد كانت الأعمال معتبرة بذلك لأنه مقصود الشارع فيها كما تبين، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقا، والمصلحة مخالفة فالفعل غير صحيح وغير مشروع، لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قصد بها أمور هي معانيها وهي المصالح التي شرعت لأجلها، فالذي عمل من ذلك على غير هذا لوضع فليس على وضع المشروعات "الموافقات: 2/ 385.
بهذه المقالة يلخص الشاطبي رحمه الله نظرية التعسف في استعمال الحق ضمن إطار تاصيله لقاعدة مراعاة المآل، فهو رحمه الله يربط التعسف بمبدأ التعدي بطريق التسبب، وهذا معيار ذاتي ينضاف إليه معايير موضوعية تتمثل في إحداث الضرر دون قصد من الملكف ولا نية، وذلك في إطار الموازنة بين المصلحة والضرر، والمقارنة بين الأضرار. (التعسف في استعمال الحق في ضوء القانون المغربي: الدكتور محمد رياض: 143)
¥