تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه الموازنة والمقارنة هي بغرض مراعاة المقاصد التي توخى الشارع تحقيقها، والتي يزيدها وضوحا قول الشاطبي: " النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم علي فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالأقدام أو بالإحجام إلا بعد نظرة إلي ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل علي خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسده تنشأ عنه، أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل علي خلاف ذلك. فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدي استجلاب المصلحة فيه إلي مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذ أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدي استدفاع المفسدة إلي مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا انه عذب المذاق، محمود الغب، جار علي مقاصد الشريعة " 4/ 194 - 195.

ويزيد ما ذكرناه آنفا وضوحا أن الأفعال الإنسانية الماذون فها وما ينشأ عنها متعلقة بضرورة موافقة قصد المكلف لقصد الشارع وفق ضابط محدد يبينه الشاطبي بقوله: " وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ، فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية " 4/ 191.

فإذا كان يترتب على فعل ما ضرر ما لجهة ما، وسوا كانت النية المستفادة من القرائن الحالية أنه قصد به الإضرار فهذا التعسف يجب أن يدرأ، أو كان الضرر دون نية إحداثه فهذا أيضا يستوجب الدرء، على اعتبار أن مناقضة قصد الشارع في تصرف مأذون فيه شرعا هو باطل (نظرية التعسف في استعمال الحق للدكتور فتحي الدريني: 57)، وذلك بناء على قاعدة: " كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة ": الموافقات

3 - علاقة مراعاة الخلاف بالتعسف في استعمال الحق في المذهب المالكي

لقد قرر الشاطبي رحمه الله أن الشريعة أساس الحقوق، فالحق ليس اختيارا من المكلف، بل هو ثابت بما تثبت به الأحكام من الأدلة الشرعية، وعلى هذا المعنى يقرر رحمه الله أن الحق الثابت بأصل الشرع ما هو إلا وسيلة لتحقيق المقاصد التي قصدها الشارع، وليس غاية، قال رحمه الله:" ما ثبت أن الأحكام شرعت لمصالح العباد كانت الأعمال معتبرة بذلك؛ لأنه مقصود الشارع فيها كما تبين، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية؛ فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقًا والمصلحة مخالفة؛ فالفعل غير صحيح وغير مشروع؛ لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قصد بها أمور أخر هي معانيها، وهي المصالح التي شرعت لأجلها؛ فالذي عمل من ذلك على غير هذا الوضع؛ فليس على وضع المشروعات".الموافقات، 3/ 121.

ومن هنا كان الواجب على كل مكلف بعينه وهو يمارس حقه " أن يكون كل مكلف تحت قانون معين من تكاليف الشرع في جميع حركاته وأقواله واعتقاداته؛ فلا يكون كالبهيمة المسيبة تعمل بهواها، حتى يرتاض بلجام الشرع، وقد مر بيان هذا فيما تقدم، فإذا صار المكلف في كل مسألة عنت له يتبع رخص المذاهب، وكل قول وافق فيها هواه؛ فقد خلع ربقة التقوى، وتمادى في متابعة الهوى، ونقض ما أبرمه الشارع وأخر ما قدمه". الموافقات، 3/ 123.

والحاصل من هذا أن سلب المشروعية عن فعل صدر من المكلف أو إثباتها له رهن مدى مطابقة هذا الفعل لقصد الشارع من وضع الأحكام والتكليف بمقتضيات الشرع، فيكون قوام الحكم على الفعل هو ما ينجم عنه من من مصلحة غالبة تدعو إلى مشروعيته، أو مفسدة راجحة تحتم منعه وسد السبل المفضية إليه بقطع النظر عن تكييف أصل الفعل شرعا، وعلى قدر إفضاء الوسيلة إلى المصلحة يكون الحكم عليها بالمشروعية، وعلى قدر إفضائها إلى المفسدة تكون درجة منعها وحظرها، لأن قوة الطلب والمنع على قدر الدليل. " قواعد المقاصد عند الشاطبي للدكتور الكيلاني، ص: 359.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير