تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يُعَاقَبُ وَقَدْ يَفْعَلُ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَخَطَؤُهُ الَّذِي ضَلَّ فِيهِ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ مَغْفُورٌ لَهُ. وَكَثِيرٌ مِنْ مُجْتَهِدِي السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَدْ قَالُوا وَفَعَلُوا مَا هُوَ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ بِدْعَةٌ إمَّا لِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ ظَنُّوهَا صَحِيحَةً وَإِمَّا لِآيَاتِ فَهِمُوا مِنْهَا مَا لَمْ يُرَدْ مِنْهَا وَإِمَّا لِرَأْيٍ رَأَوْهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نُصُوصٌ لَمْ تَبْلُغْهُمْ)).

فتأمل كيف لم يرفع عنها اسم البدعة رغم ارتفاع الإثم والعقوبة، وتأمل كيف أثبت بدعية المسألة وكيف جامعت البدعة الاجتهاد!

قلتُ: وعندي أن ثبوت لفظة كل ضلالة في النار عن عمر رضي الله عنه لا يُنافي ما قرره الشيخ؛ لأن هذا يكون من باب الوعيد العام،لكن المقصود الآن بيان خطأ الملازمة التي توهمها المؤلف بين البدعة والتأثيم.

أما الملازمة التي صنعها بين البدعة وبين الضلال عن الحق والوعيد بالنار فهي صحيحة ولكنها كسائر نصوص الوعيد في الكتاب والسنة فتتنزل على من وقع في البدعة –ولو كانت اجتهادية- بغير تأويل أو بتأويل غير سائغ كمن بلغته نصوص أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر بالتسمية وأن ذلك بدعة محدثة ولم يكن عنده ما يدفع ذلك من الاجتهاد ومع ذلك أصر على فعل ذلك فهذا مذموم آثم متوعد بالنار ويُعذب بها مالم تنجيه موانع إنفاذ الوعيد الأخرى، ومثله في أبواب المعاصي المرأة التي تبلغها أدلة تغطية الوجه وليس عندها ما يدفعها فلا تفعله فتأثم وتعاقب ولو كانت المسألة اجتهادية.

أما من كان مجتهداً فهو معذور في الجملة لا يلحقه إثم ولا وعيد بالنار إن كان مجتهداً، لكن اجتهاده لن يرفع اسم البدعة عن المسألة محل النزاع عند من يراها بدعة، ولن يرفع عنه اسم المبتدع إن كانت المسألة من مسائل النزاع غير السائغ لتعلق هذا الاسم به لمكان الذم المتعلق بالنزاع غير السائغ وتخلف هذا الذم عن موارد النزاع السائغ.

ثم ذكر الدليل الثاني عنده وأنه ليس للبدعة –عند التحقيق- حظ معتبر من الدليل الشرعي؛إذ هي مختصة بخلوها عن أصل شرعي تستند إليه بخلاف الأقوال الواردة في المسألة الاجتهادية.

قلت: وهذا نقص في تصور الباب، فخلو البدعة من أصل شرعي يكون ظنياً ويكون قطعياً وتبعاً لذلك تكون المسألة اجتهادية وتكون غير ذلك، فالذي يُضعف جميع أحاديث تعبد معين قد ادعاه مخالفه = يكون هذا التعبد عنده قد خلا من أصل شرعي معتبر، لكن هذا التضعيف إما أن يكون قطعياً لا يسوغ فيه النزاع مثل حديث الدعاء الطويل على أعضاء الوضوء فيكون مثل هذا بدعة لا يسوغ فيها النزاع، وقد يكون التضعيف غير قطعي كما في أحاديث الجهر بالتسمية فيكون هذا بدعة لكن يسوغ فيها -أي في جعلها بدعة- النزاع.

ومثله الاختلاف في الدلالة فقد تكون دلالات الأدلة في المسألة قطعية في عدم ثبوت هذا التعبد وخلوه من أصل شرعي ويكون قطعياً عدم دلالة النصوص التي يدعيها المخالف على إثبات هذا الأصل كما في مسألة الاحتفال بالمولد فيكون ذلك بدعة قطعية لا يسوغ فيها النزاع، وقد تكون الدلالات غير قطعية على الإحداث والخلو من أصل شرعي رغم كونها ثابتة كمسألة القنوت فتكون هذه بدعة يسوغ فيها النزاع.

وإذن: فعدم الأصل الشرعي هو وصف ملازم للبدعة = لكن هذا العدم يكون قطعياً لا يسوغ فيه النزاع، ويكون ظنياً يسوغ فيه النزاع ويترتب على ذلك عدم التنافي بين كون المسألة اجتهادية وبين جواز وصفها بالبدعية، ومنع إطلاق اسم البدعية على الاجتهادية، وقد استوفت شروط البدعة عند مدعي بدعيتها، سيكون تحكماً لا دليل عليه وزعم التنافي بين البدعية و الاجتهاد سيبقى مجرد دعوى ومصادرة على المطلوب ..

ثم ذكر الدليل الثالث: وهو أن مسائل الابتداع يحصل بسببها الافتراق.

قلت وهذا خطأ،وإنما يحدث الافتراق بسبب البغي سواء كانت المسألة اجتهادية أم لا، ويحدث بسبب مسائل النزاع غير السائغ وقد سبق إبطال الملازمة بين البدعة وبين الخلاف غير السائغ، والمؤلف لما جعل البدعة من الخلاف غير السائغ مطلقاً حملها جميع خطايا النزاع غير السائغ.

الدليل الرابع: وذكر فيه قول ابن تيمية في وصف مسائل الاجتهاد وعدم الإنكار فيها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير