المسألة الثانية هل يمكن الاطلاع عليه بعد وقوعه؟
اختلف العلماء في امكان معرفته علي عدة اراء:-
الرأي الاول عدم امكان الاطلاع عليه بعد الصحابة
قال الامام احمد في رواية عنه لا يمكن معرفته قال الامام احمد (من ادعي وجود الاجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا وما يدريه؟ ولم ينته اليه فليقل لا نعلم الناس اختلفوا)
وقال ابو مسلم الاصفهاني (الحق تعذر الاطلاع علي الاجماع الا اجماع الصحابة حيث كان المجمعون وهم العلماء منهم في قلة واما الان وبعد انتشار الاسلام وكثرة العلماء فلا مطمع للعلم به وهذا هو رأي بن تيمية ومختار الامام احمد والظاهرية)
وهذا الرأي هو الذي قال به الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع قال (فالواقعُ يُحيلُ وقوع ذلكَ، وتاريخُ هذه الأمَّةِ معلومٌ، فإنَّها بعدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصَّدرِ الأوَّلِ قدْ تفرَّقتْ حتَّى بلغتْ حدَّ استحالَةِ جمعهَا على ما اختلفتْ فيهِ من الكتابِ وهو نصٌّ قطعيٌّ، فكيفَ يُتصوَّرُ إمكانُ جمعها على أمرٍ لا نصَّ فيه ليكونَ حكمًا شرعيًّا للأمَّةِ؟
قال الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ رحمه الله: ((ما يدَّعي الرَّجلُ فيه الإجماعَ هذا الكذِبُ، منِ ادَّعَى الإجماعَ فهو كذبٌ، لعلَّ النَّاسَ قدِ اختلفُوا)) [أخرجهُ عنه ابنُهُ عبدُالله في ((مسائله)) رقم: 1826]).
وقول الجديع ان الاجماع خاص بالمعلوم من الدين بالضرورة واصول الدين يعني بالاجماع القطعي دون الاجماع الظني انما يقصد به عدم امكان وقوع الاجماع الظني لا عدم حجيته والدليل علي ذلك قوله في نفس المبحث عند ذكر ادلة الاجماع (ويُقالُ: لو أمكنَ أن تتَّفقَ هذه الأمَّةُ على أمرٍ لم يرِدْ في الكتابِ والسُّنَّةِ فذلكَ الاتِّفاقُ حُجَّةٌ)
والرأي الثاني وهو قول الجمهور انه يمكن الاطلاع عليه بعد عهد الصحابة عن طريق البحث والتحري او عن طريق ولاة الامر في كل بلد بأن يجمعهم ويعرف اراءهم
والراجح عندي هو قول الجمهور
ففي العصور السابقة كان العلماء يستقصون في معرفة الاقوال والاوجه والروايات في المذاهب حتي انهم من امانتهم وحرصهم ينقلون مذاهب اهل البدع كالشيعة والمعتزلة والاشاعرة والقدر الذي يجهلونه بعد ذلك هم غير مطالبين به لان العبرة بغلبة الظن حتي يصبح الامر كالمقطوع به
واذا تبين في زمن متأخر ان في عصر الاجماع من خالف اهل الاجماع ولم يوافقهم علي اجماعهم تبين انها دعوي اجماع وليس اجماعا حقيقيا
وفي هذه الايام صار اثبات الاجماع ايسر خاصة مع وجود المؤسسات العلمية المتخصصة كالمجامع الفقهية والجامعات وانتشار وسائل الاتصال كالانترنت وغيره
غاية الامر هو ضرورة قوة التثبت في البحث والتحري والاستقصاء لاقوال العلماء وتوثيق النقول وغير ذلك حتي تنتفي دعاوي الاجماع وما اكثرها في كتب العلماء وأقوالهم حتي انك لا تكاد تجد كتابا في الاجماع الا وفيه دعاوي لا تثبت وهذا ما جعل الامام الشافعي يقول لست أقول ولا أحد من أهل العلم (هذا مجتمع عليه) إلا لما لا تلقى عالماً أبداً إلا قاله لك وحكاه عن من قاله كالظهر أربع، وكتحريم الخمر وما أشبه هذا.
فالاجماع الظني جائز الوقوع ولكن وقوعه بعد عصر السلف عزيز ولذا قال شيخ الاسلام بن تيمية والاجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح اذ بعدهم كثر الخلاف وانتشرت الامة
وكلام الشيخ عبد الله الجديع هو نفس كلام هؤلاء الائمة بل بنفس الامثلة التي ذكروها فلا ينبغي ان يحملنا الخلاف علي الحط من العلماء او الاساءة اليهم خاصة ان المسألة فيها خلاف كما ذكرت والقائلين بهذا القول هم ائمة العلماء
ـ[ابو جبل]ــــــــ[03 - 06 - 10, 07:58 ص]ـ
المسألة الثالثة هل وقع الاجماع فعلا؟
الرأي الاول للشيخ محمد ابو زهرة والشيخ الخضري أنه وقع في عصر الشيخين ابي بكر وعمر رضي الله عنهما حيث كان الفقهاء مجتمعون بالمدينة ويمكن معرفة سائر اقوالهم واما بعدهما فقد اتسعت رقعة الخلافة وتفرق الصحابة في الامصار وعسر الاجماع
الرأي الثاني وهو للشيخ عبد الوهاب خلاف يري انه لم يقع اجماع فعلا وان جاز وقوعه شرعا ورد اشهر الاجماعات في عصر الصحابة فقتال ابي بكر رضي الله عنه لمانعي الزكاة انما كان امرا شوريا جمع عليه اصحابه دون ان يستقصي اراء الصحابة في البلاد لمعرفة حكم شرعي وهذا غير التعريف الذي يذكره الاصوليين وهذا تشريع شوري مصلحي لا نظر اجتهادي فردي
وضعف هذين الرأيين لا يحتاج الي بيان
الرأي الثالث انه وقع في عصر الصحابة دون غيرهم وهو قول شيخ الاسلام بن تيمية كالاجماع علي قتال مانعي الزكاة في عصر ابي بكر رضي الله عنه والاجماع علي جمع المصحف وجمعه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه
وقد اختار هذا الراي الشيخ الجديع فقال (ولو سألتَ: أينَ هي الأحكامُ الشَّرعيَّةُ الَّتي لم تُستفَدْ إلاَّ بطريقِ الإجماعِ على هذا التَّعريفِ، لم تَجِدْ جوابًا بذِكرِ مسألةٍ واحدَةٍ، فعجبًا أن يُدَّعى بأنَّ ذلك من أدلَّةِ شريعةِ الإسلامِ المعتبَرَة و لايُمكنُ أن يوجدَ له مثالٌ واحدٌ صحيحٌ في الواقعِ على مدَى تاريخِ الإسلامِ الطَّويلِ!) وقد سبق اقراره للامكانه في عصر الصحابة
الرأي الرابع انه وقع في عهد الصحابة ومن بعدهم وهذا رأي الجمهور لامكان العلم به وعدم المانع والذي يترجح عندي هو قول الجمهور ولكن في مسائل قليلة جدا فغالب النقول بغير اسانيد او ان اصحابها يحكمون علي ما وصل اليهم من العلم وغالب هذه النقول يحتاج الي تحقيق والله اعلم
¥