تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن من سياسة الفتوى النظر في مآل الفتوى وما ينتج عنها قال الإمام الشاطبي رحمه الله في «الموافقات» في الاجتهاد: النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا سواء كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل فقد يكون مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أولمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ولكن له مآل على خلاف ذلك فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى المفسدة تساوى المصلحة أو تزيد عليها فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم مشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغب جار على مقاصد الشريعة ... فقد قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث حين أشير عليه بقتل من ظهر نفاقه: «أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» وقوله: «لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم» وبمقتضى هذا أفتى مالك الأمير حين أراد أن يرد البيت على قواعد إبراهيم فقال له لا تفعل لئلا يتلاعب الناس ببيت الله .. وفى حديث الأعرابي الذي بال فى المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركه حتى يتم بوله وقال: «لا تزرموه» وحديث النهي عن التشديد على النفس فى العبادة خوفا من الانقطاع حيث يكون العمل فى الأصل مشروعا لكن ينهى عنه لما يؤول إليه من المفسدة أو ممنوعا لكن يترك النهي عنه لما فى ذلك من المصلحة وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها فإن غالبها تذرع بفعل جائز إلى عمل غير جائز فالأصل على المشروعية لكن مآله غير مشروع والأدلة الدالة على التوسعة ورفع الحرج كلها فإن غالبها سماح فى عمل غير مشروع فى الأصل لما يؤول إليه من الرفق المشروع ولا معنى للإطناب بذكرها لكثرتها واشتهارها اهـ

ومن دقة فقه الإمام أحمد بن حنبل نهيه عمَّا لا نفع فيه؛ حيث قال: لا أحب لأحد أن يكتب هذه الأحاديث التي فيها ذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم (يعني الفتنة بينهم)! لا حلال ولا حرام ولا سنن! لا تنظر فيها وأي شيء في تلك من العلم عليكم بالسنن والفقه وما ينفعكم، ذكره الخلال في كتاب «السنة»، وذَكَر أيضاً عن أبي الحارث قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، قلت: هذه الأحاديث التي رويت في أصحاب النبي ترى لأحد أن يكتبها؟ قال: لا أرى لأحد أن يكتب منها شيئاً، قلت: فإذا رأينا الرجل يطلبها ويسأل عنها فيها ذكر عثمان وعلي ومعاوية وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم! قال: إذا رأيت الرجل يطلب هذه ويجمعها فأخاف أن يكون له خبيئة سوء. اهـ

وقد كان السلف رحمهم الله يحرقون تلك الأقاصيص التي تحدث الفتنة ويهجرون أصحابها ورواتها، فقد روى أبو بكر المروذي قال سألت أبا عبدالله (يعني أحمد بن حنبل): إن قوما يكتبون هذه الأحاديث الرديئة في أصحاب رسول الله! وقد حكوا عنك أنك قلتَ: أنا لا أنكر أن يكون صاحب حديث يكتب هذه الأحاديث يعرفها! فغضب وأنكره إنكاراً شديداً؛ وقال: باطلٌ معاذ الله! أنا لا أنكر هذا! لو كان هذا في أفناء الناس لأنكرته! فكيف في أصحاب محمد؟ وقال: أنا لم أكتب هذه الأحاديث، قلت: لأبي عبد الله فمن عرفته يكتب هذه الأحاديث الرديئة ويجمعها أيهجر؟ قال: نعم يستاهل صاحب هذه الأحاديث الرديئة الرجم. وقال أبو عبدالله: جاءني عبد الرحمن بن صالح، فقلت له: تحدث بهذه الأحاديث؟! فجعل يقول قد حدث بها فلان وحدث بها فلان وأنا أرفق به وهو يحتج فرأيته بعدُ فأعرضت عنه ولم أكلمه.

سادساً: مراعاة الوسائل التي تنشر من خلالها الفتوى:

ليس كل وسيلة أو مكان مناسب لنشر العلم والفتوى، وإذا كانت الفتوى من مهمات الدين أو من المسائل الكبار المشكلة التي يقصر فهم الناس لها ينبغي الاحتياط في الوسائل لأجل أن لا تفهم على غير وجهها فقد يصلح لأهل بلد مالا يصلح لآخرين فلا يصلح أن يعمم الحكم في الوسائل الذائعة الانتشار.

سابعاً: مراعاة المسائل الكبرى التي تعم الأمة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير