تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: هذا إذا كُلِّفَ واضطر للإفتاء، أما مع العافية والسعة فلا يجوز! قال صاحب «التلخيص» و «الترغيب»: يجوز للمجتهد في مذهب إمامه، لأجل الضرورة، وقال أكثر العلماء: يجوز لغير المجتهد أن يفتي، إن كان مطلعا على المأخذ، أهلا للنظر. اهـ. وقال ابن حمدان في «آداب المفتي»: فمن أفتى وليس على صفة من الصفات المذكورة من غير ضرورة: فهو عاص آثم. اهـ.

هذا وقد يضطر المفتي إلى التقليد أحياناً، فليس العالم محققاً لكل مسألة من مسائل العلم؛ بل قد يقلد في أشياء لم يتحقق الصواب فيها، لعدم تفرغه لبحثها أو عدم وصوله للراجح عنده فيها، ويضطر للفتوى فيها، فيأخذ بقول إمام أو فقيه غيره فيفتي به المستفتي! وهل يسمى هذا تقليداً أو نقلاً لمذهب الغير؟ فيه بحث! قال الموفق ابن قدامة في الروضة: قال أصحابنا ليس له (أي المجتهد) تقليد مجتهد آخر مع ضيق الوقت ولا سعته لا فيما يخصه ولا فيما يفتي به لكن يجوز له أن ينقل للمستفتي مذهب الأئمة كأحمد والشافعي ولا يفتي من عند نفسه بتقليد غيره لأن تقليد من لا تثبت عصمته ولا تعلم إصابته حكم شرعي لا يثبت إلا بنص أو قياس ولا نص ولا قياس. اهـ وهذا الكلام في المجتهد الذي قل وجوده، لكن المقلد أو المتبع-وهو من اتبع قول العالم بدليله لا تقليداً- فأمره أخف، قال ابن النجار الفتوحي: وما يجيب به المقلد عن حكمٍ فإخبارٌ عن مذهب إمامه، لا فتيا. قاله أبو الخطاب وابن عقيل والموفق. اهـ

حاديَ عشرٍ: عليه المشاورة المباحثة لأهل العلم:

قال ابن القيم في «الإعلام»: إن كان عنده من يثق بعلمه ودينه فينبغي له أن يشاوره ولا يستقل بالجواب ذهابا بنفسه وارتفاعا بها أن يستعين على الفتاوي بغيره من أهل العلم وهذا من الجهل فقد أثنى الله سبحانه على المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم وقال تعالى لنبيه ^: (وشاورهم في الأمر) وقد كانت المسألة تنزل بعمر بن الخطاب رضى الله عنه فيستشير لها من حضر من الصحابة وربما جمعهم وشاورهم حتى كان يشاور ابن عباس رضى الله عنهما وهو إذا ذاك أحدث القوم سناً، وكان يشاور عليا وجهه وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ولا سيما إذا قصد بذلك تمرين أصحابه وتعليمهم وشحذ أذهانهم قال البخاري في «صحيحه» باب إلقاء العالم المسألة على أصحابه. وأولى ما ألقى عليهم المسألة التي سئل عنها هذا ما لم يعارض ذلك مفسدة من إفشاء سر السائل أو تعريضه للأذى أو مفسدة لبعض الحاضرين فلا ينبغي له أن يرتكب ذلك، وكذلك الحكم في عابر الرؤيا فالمفتي والمعبر والطبيب يطلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره. اهـ

ثانيَ عشرٍ: مراعاة مصلحة الجماعة أهم من تقديم الرأي أو الراجح عنده:

لما كان أهل العلم مختلفين في علومهم ومداركهم وسياستهم للأمور فاقتضى ذلك ظهور أمور وآراء ومخالفات واختلافات ينبغي تلافيها قدر الطاقة، فإن منها ما يمكن درؤه ومنها ما يصعب، فينبغي درء الاختلاف والتفرق وكل ما يسبب التشويش والتشكيك قدر الإمكان، ولذلك يلزم من تصدى لتعليم الناس وإرشادهم وإفتائهم أن يراعي أموراً ضرورية وحاجية وكمالية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -عند الكلام حول الجهر بالبسملة-:» ثم مع قراءتها هل يسن الجهر أو لا يسن على ثلاثة أقوال قيل يسن الجهر بها كقول الشافعى ومن وافقه وقيل لا يسن الجهر بها كما هو قول الجمهور من أهل الحديث والرأى وفقهاء الأمصار وقيل يخير بينهما كما يروى عن إسحاق وهو قول ابن حزم وغيره، ومع هذا فالصواب أن مالا يجهر به قد يشرع الجهر به لمصلحة راجحة فيشرع للإمام أحيانا لمثل تعليم المأمومين ويسوغ للمصلين أو يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانا ويسوغ أيضا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة خوفا من التنفير عما يصلح كما ترك النبي صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بناء البيت على قواعد إبراهيم لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية وخشي تنفيرهم بذلك ورأى إن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم وقال ابن مسعود لما أكمل الصلاة خلف عثمان وأنكر عليه فقيل له في ذلك فقال الخلاف شر، ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة وفى وصل الوتر وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير