وإن قيل: لا نَشْكله، بل نتركه غُفْلاً من الحركة (أي هكذا: شَجَراً)، قلنا: هذا لا يستقيم؛ إذ كيف ننطق بهذا الحرف وهو غير مشكول، والشكل إنما جُعِلَ ليبيِّن كيفية النطق بالحرف (مفتوحًا أو مضمومًا أو مكسورًا أو ساكنًا)؟! فإن قيل: لا نَشكله لأن الألف التي بعده هي حركة هذا الحرف. قلنا: وهذا لا يستقيم أيضًا، لأن الألف التي تكون بعد الحرف المحرَّك بالفتحة لا تمنع إثباتَ الفتحة على الحرف؛ (نحو: مُقَام)، فالألف بعد القاف المحرَّكة بالفتحة هي للنطق بهذا الحرف بفتحة طويلة، ومع ذلك فإن هذه الألف لم تمنع إثباتَ الفتحة على القاف. ومثل ذلك الضمة قبل الواو المدية؛ (نحو: غَفُور)، والكسرة قبل الياء المدية؛ (نحو: رَحِيم)، فلا الواو في (غفُور) مَنعتْ إثباتَ ضمة الفاء، ولا الياء في (رحِيم) مَنعتْ إثبات كسرة الحاء.
6 - لو سلَّمنا ثانيةً برسم تنوين النصب فوق الألف التي تلي الحرف المنون بتنوين النصب، وكان هذا الحرف مشدَّدًا (نحو: عِزًّا)، فَبِمَ نَشْكل هذا الحرف (أي الزاي هنا)؟
فإن قيل: بالشدة المفتوحة (أي هكذا: عِزَّاً)، قلنا: هاهنا مسألتان: الأولى أن الفتحة تكررتْ مرتين، كما ذكرنا قبل قليل، وهذا لا يصحّ. والثانية أن إثبات الشدة المفتوحة فوق الحرف المنون يعني إسقاط الشدة المنونة بتنوين النصب (-ًّ) من جملة الحركات. وهذا لا يكون، لأن الشدة المنونة بتنوين النصب شأنها في الاستعمال والوجود شأن الشدة المنونة بتنوين الرفع (-ٌّ) والشدة المنونة بتنوين الجر (-ٍّ)؛ نحو: (حُبٌّ، حُبًّا، حُبٍّ)، و (عَرَبِيٌّ، عَرَبِيًّا، عَرَبِيٍّ) ...
وإن قيل: بالشدة دون فتحة (أي هكذا: عِزّاً)، قلنا: لا يستقيم النطق بهذا الحرف، لأن الشدة وحدها تعني النطق بالحرف المشدد مرتين: الأولى ساكنًا، وأما الثانية فلا يُعْلَم كيف يُنطَق به (بالفتح أم بالضم أم بالكسر)، وذلك لعدم وجود حركة فوق الشدة، خلافًا للشدة المفتوحة التي تعني النطق بالحرف المشدد مرتين: مرة ساكنًا ومرة محركًا بالفتحة، والشدة المضمومة التي تعني النطق بالحرف المشدد مرتين: مرة ساكنًا ومرة محركًا بالضمة، والشدة المكسورة التي تعني النطق بالحرف المشدد مرتين: مرة ساكنًا ومرة محركًا بالكسرة.
7 - يرسم تنوين النصب في المصاحف فوق الحرف المنون لا فوق الألف التي تليه. (وقد ذكرنا هذا لأنه موافق لما أوردنا من المؤيدات، لا لأن هذا الرسم هو أحد هذه المؤيدات).
تنبيه:
هناك من دعا إلى إسقاط تنوين النصب في النصوص غير المشكولة اكتفاءً بالألف المبدلة منه، وحجته في ذلك:
- أن هذا التنوين لا يُثْبَت في سائر الكلمات؛ ففي مثل: (رأيت سيارة مسرعة نهارًا)، أثبتنا تنوين النصب في كلمة (نهارًا)، وأغفلناها من كلمتي (سيارة) و (مسرعة).
- وأن السياق يدل على هذا التنوين، فوجوده وعدمه سواء.
- وأن عدم إثباته يخفف من عبء تنضيد النصوص؛ إذ ليس في لوحة ملامس الحاسوب مفتاح للألف وفوقها تنوين النصب، بل للألف مفتاح ولتنوين النصب مفتاحان. وهذا يعني أنه يلزم الضغط على ثلاثة مفاتيح في لوحة الملامس لتنضيد الألف وفوقها تنوين النصب.
وفي الجواب أقول: إن هذه الدعوى لا تَثْبت على نظر. وقبل عرض البيان، يحسن أن نمثِّل للحالات التي تلتبس فيها ألف تنوين النصب بغيرها من الألفات:
1) تلتبس ألف تنوين النصب بألف التثنية؛
مثال ذلك: (فقد فعلا ما هو أعظم من ذلك). هذه الجملة تقرأ بوجهين؛ الأول: (فقد فَعَلا ما هو أعظم من ذلك)، والآخر: (فُقِد فعلاً ما هو أعظم من ذلك).
مثال ثانٍ: (عملا بما ورد في الدليل). وهذه الجملة تقرأ بوجهين؛ الأول: (عَمِلا بما ورد في الدليل)، والآخر: (عملاً بما ورد في الدليل).
مثال ثالث: (فقلت لهما قولا حقا وانصرفا). وهذه الجملة تقرأ بوجهين؛ الأول: (فقلت لهما قُولا حقًّا وانصرِفا)، والآخر: (فقلت لهما قَوْلاً حقًّا وانصرَفا).
ومثل ذلك: (كتبا: كَتَبَا وكُتُبًا)، (جزعا: جَزِعَا وجَزَعًا)، (كذبا: كَذَّبا وكَذِبًا)، (حسنا: حَسَّنَا وحَسَنًا)، (حملا: حَمَلا وحَِمْلاً)، (بالغا: بَالَغَا وبَالِغًا)، (عينا: عَيَّنَا وعَيْنًا) ...
2) تلتبس ألف تنوين النصب بألف (نا) الفاعلين؛
¥