قال أبو عبد الله الذّهبي (القراء الكبار، رقم: 153): "هو هارون بن موسى ابن شريك الأخفش الدمشقي، أبو عبد الله التغلبي شيخ المقرئين بدمشق في زمانه ... قيل إنه صنف كتبا في القراءات والعربية، وكان ثقة معمرا، قال ابن الناصح توفي في صفر سنة اثنتين وتسعين ومئتين (292هـ)، وله اثنتان وتسعون سنة، وقد رأى أبا عبيد بدمشق وسأله مسألة في اللغة، قال أبو علي الأصبهاني: كان هارون الأخفش من أهل الفضل، صنف كتبا كثيرة في القراءات والعربية، وإليه رجعت الإمامة في قراءة ابن ذكوان".
وقال ياقوت الحموي (معجم الأدباء): "سعيد بن مسعدة، أبو الحسن المعروف بالأخفش الأوسط البصري، مولى بني مجاشع ابن دارم بطن من تميم. أحد أئمة النحاة من البصريين، أخذ عن سيبويه وهو أعلم من أخذ عنه، وكان أخذ عمن أخذ عن سيبويه لأنه أسن منه، ثم أخذ عن سيبويه أيضاً، وهو الطريق إلى كتاب سيبويه؛ فإنه لم يقرأ الكتاب على سيبويه أحد ولم يقرأه سيبويه على أحدٍ، وإنما قرئ على الأخفش بعد موت سيبويه.
وكان ممن قرأه عليه أبو عمر الجرمي وأبو عثمان المازني، وكان الأخفش يستحسن كتاب سيبويه كل الاستحسان، فتوهّم الجرمي والمازني أن الأخفش قد همّ أن يدعي الكتاب لنفسه، فتشاوروا في منع الأخفش من ادعائه فقالا: نقرؤه عليه، فإذ قرأناه عليه أظهرناه وأشعنا أنه لسيبويه فلا يمكنه أن يدعيه، فأرغبا الأخفش، وبذلا له شيئاً من المال على أن يقرآه عليه، فأجاب وشرعا في القراءة، وأخذا الكتاب عنه وأظهراه للناس.
وكان الأخفش يقول: ما وضع سيبويه في كتابه شيئاً إلا وعرضه علي، وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه. وحكى ثعلب أن الفرّاء دخل على سعيد بن سالم فقال: قد جاءكم سيد أهل اللغة وسيد أهل العربية، فقال الفراء: أما ما دام الأخفش يعيش فلا ...
فلما اتصلت الأيام بالاجتماع سألني [الكسائي] أن أؤلف له كتاباً في معاني القرآن فألّفته، فجعله إمامه وعمل عليه كتاباً في المعاني. وقرأ علي كتاب سيبويه سراً ووهب لي سبعين ديناراً.
توفي سنة خمس عشرة ومائتين (215هـ)، وقيل سنة إحدى وعشرين. وله من التصانيف: كتاب الأربعة، كتاب الاشتقاق، كتاب الأصوات، كتاب الأوسط في النحو، كتاب تفسير معاني القرآن، كتاب صفات الغنم وألوانها وعلاجها وأسبابها، كتاب العروض، كتاب القوافي، كتاب المسائل الكبير، كتاب المسائل الصغير، كتاب معنى الشعر، كتاب المقاييس، كتاب الملوك، كتاب وقف التمام".
وقال: "علي بن سليمان بن الفضل الأخفش، أبو الحسن، وهو الأخفش الصغير، وهناك الأخفش الأكبر، وهو أبو الخطاب عبد الحميد وقد ذكر، والأوسط وهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة وقد مر في بابه، وهناك أخفش آخر، وهو عبد العزيز بن أحمد المغربي الأندلسي، وقد ذكر في بابه أيضا وغيرهم. ومات علي بن سليمان هذا في شعبان سنة خمس عشرة وثلاثمائةٍ (315هـ)، ودفن بمقبرة قنطرة البردان، له من التصانيف: كتاب الأنواء، وكتاب التثنية والجمع، وكتاب شرح سيبويه [ ... ] في خمسة أجلادٍ. وكتاب تفسير رسالة كتاب سيبويه رأيته في نحو خمس كراريس، وكتاب الحداء، ووجدت أهل مصر ينسبون إليه كتاباً في النحو هذبه أحمد بن جعفرٍ الدينوري وسماه المهذب ...
قدم الأخفش هذا مصر في سنة سبعٍ وثمانين ومائتين، وخرج منها سنة ثلاثمائةٍ إلى حلب مع علي ابن أحمد بن بسطام صاحب الخراج فلم يعد إلى مصر ... ".
قلت: قد ذكر الحموي أربعة ممن لقبوا بالأخفش:
1. الأكبر أو الكبير: وهو أبو الخطّاب عبد الحميد عبد المجيد، شيخ سيبويه (المزهر للسيوطي 2/ 418)؛
2. والأوسط: وهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة صاحب معاني القرآن، وقد مرّ ذكره؛
3. والأصغر أو الصغير: وهو أبو الحسن علي بن سليمان، تلميذ المبرَِّد وثعلب؛
4. والمغربي: أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الأندلسي؛
5. والخامس الدمشقي: وهو أبو عبد الله هارون بن موسى، الذي ذكر أولا.
أما المغربي فهو عبد العزيز بن أحمد اليحصبي الأديب، يكنى أبا الأصبغ، ويعرف بالأخفش، من شيوخه مكي بن أبي طالب، ومن تلامذته ابن عبد البر / الصلة لابن بشكوال.
فإذا قيل: المجاشعي أو صاحب سيبويه فهو الأوسط؛ وإذا قيل: صاحب المبرّد أو النحوي فهو الصغير؛ وإذا قيل: المُقْرئ فهو الدمشقي؛ واشتهر بلقب الأخفش: الصغير والأوسط وكلاهما يكنى أبا الحسن، وقد يكنى الصغير بأبي إسحاق (نفح الطيب 2/ 150)؛ وإذا أطلق الأخفش في كتب النحو فهو الأوسط (المزهر 2/ 456)؛ والأخفش الكبير والأوسط على مذهب البصريين؛ أما الصغير فممن خلطوا بين المذهبين؛ وكلهم ثقات وكلهم نحاة رحمهم الله.
وهناك "أخافيش"! غير هؤلاء، كأحمد بن عمران الألهاني مصنّف غريب الموطّأ (تاريخ بغداد 5/ 93)، وأبو عبد الله الحسين بن معاذ بن حرب (نفس المرجع 8/ 135)، والأخفش بن ميمون ابن الفرّاء (نفح الطيب 3/ 378).
وقال السيوطي: "الأخفش أحد عشر نحويا"، وذكرهم؛ فليراجع المستزيد "المزهر" (2/ 453).
¥