تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عماد الدين خليل: هذا هو المستوى الثاني والأكثر أهمية من المستوى التاريخي الأول السردي، في المستوى الأولى القرآن يسرد وقائع، في المستوى الثاني يذهب إلى ما وراء الوقائع لكي يستخلص السنن أو ما يسميه فلاسفة التاريخ بقوانين الحركة التاريخية تلك القوى التي ترفع الأمم والقوى التي تخفضها وتقودها إلى فقدان الفاعلية وإلى الشلل وإلى الانهيار.

عثمان عثمان: ربما تحدث ابن خلدون موسعا في هذا الموضوع.

عماد الدين خليل: ابن خلدون جاء بعد حوالي سبعة قرون لكي يؤكد سننية الحركة التاريخية والحال أن هذه السننية وللأسف الشديد لم يشر إلى أنه قد سبق بالقرآن الكريم إلى قضية الكشف عن أن التاريخ لا يتحرك، تتحرك أو تتشكل حوادثه فوضى وعلى غير هدى وإنما وفق سنن منضبطة إذا اجتمعت أسبابها في حالة معينة تقود إلى نتائج محددة يقينا وإذا اجتمعت بصيغة أخرى تقود إلى نتائج أخرى يقينا، والقرآن الكريم يقدم الكثير الكثير في هذا المجال، في مجال قوانين الحركة التاريخية كما يسميها فلاسفة التاريخ. فإحنا لو ندخل كما دخلنا في اللحظات السابقة على النص القرآني بعقلية المؤرخ ووجدنا بعض التأشيرات الأساسية في المعطى التاريخي للقرآن، الآن نريد أن ندخل على النص القرآني من منطوق فيلسوف التاريخ أو فلاسفة التاريخ فسنجد أن القرآن الكريم يقدم من قوانين الحركة التاريخية ما لم يكتشفه العقل الوضعي البشري ممن جاؤوا فيما بعد، كروتشه وأرنولد توينبي وهيغل وشبنغلر وآخرون، إلا بعد قرون طويلة جاءت كشوفاتهم لسنن التاريخ وقوانين الحركة التاريخية مطابقة لما كان القرآن الكريم قد أعلن عنهم، يعني أذكر على سبيل المثال في تعقيبه على واقعة أحد {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ .. } قوانين الحركة التاريخية { .. فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ، هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ، وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ .. } -إن الشرطية- { .. إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ .. } [آل عمران:137 - 140] ما قال بين المؤمنين، قال بين الناس، أي أن الشعوب كلها عرضة على الإطلاق لأن تنتكس وترتكس وتخرج من التاريخ إذا لم تأخذ بالأسباب وتنتبه جيدا إلى قوانين الحركة التاريخية التي ترفع وتخفض، إضافة إلى هذه الآية هنالك الآية الكريمة التي تشير إلى التدافع { .. وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ .. } [البقرة:251] مفهوم التدافع هذا هو اللي حرك الحياة البشرية واللي يحكم التاريخ البشري من بدئه حتى منتهاه، هناك مفهوم التغاير {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ .. } [هود:118، 119] أي خلقهم للتغاير والاختلاف، هذا المنطوق الواقعي حقيقة -إذا صح التعبير- واقعية القرآن الكريم التي ترفض يعني ما يخرج عن مفاهيم الحركة التاريخية وتعطينا هذه المفاهيم بمصداقية كاملة ويجيء التاريخ لكي يؤكد هذه المصداقية يوما بعد يوم.

عثمان عثمان: طبعا القرآن أيضا أحال إلى السنن هذه السنن التي لا تتبدل ولا تتحول وربما ذكرتم بعضها، هذه السنن دكتور كيف نفهمها؟ كيف نسبر أغوارها دون أن نغرق في التفاصيل والجزئيات؟

عماد الدين خليل: هي تلم حقيقة يعني كل منظومة بالوقائع والأحداث تتحرك أو تتشكل في نسق معين تربطه من الداخل إذا صح التعبير فيما وراءه سنة من سنن التاريخ قانون من قوانين الحركة التاريخية، فنحن بدلا من أن نغرق بالوقائع والتفاصيل الجزئية علينا أن نمسك بتلابيب قانون الحركة التاريخية أو السنة التاريخية لكي نعرف بالضبط لماذا حدثت الوقائع بهذا الشكل ولم تحدث بشكل آخر، يعني السنن التاريخية هي الرابط الذي تتفجر عنه أو تنطلق منه منظومة كبيرة من الوقائع والأحداث ولكن هذه المنظومة الكبيرة من الوقائع والأحداث تجتمع لكي يمسكها رباط واحد هو قانون الحركة التاريخية إن صعودا لهذه الأمة أو تلك وانتشارا في الأرض وإن انكماشا وشللا في الفاعلية وانهيارا في الفاعلية وخروجا من التاريخ، ولهذا القرآن الكريم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير