(فهذه ثلاثون شاهدا وقفت عليها مصادفة خلال اشتغالي ومراجعاتي ـ والتتبع ينفي الحصر ـ تدل اوضح دلالة على ان ابن معين يريد فيها من قوله في الراوي ليس بشيء ضعفه لا قلة أحاديثه).
ثم قال:
(إن معنى التضعيف من هذه الجملة (ليس بشيء) هو المعنى الحقيقي لها والمستعملة فيه فلا يعدل عنه إلا بقرينة صارفة تدل على انه يريد من هذه الكلمة قلة احاديث الراوي لا تضعيفه).
وانظر أيضاً تعليقه على (قواعد التهانوي) (ص263) وعلى (المنار المنيف) (ص43)، وانظر (مباحث في علم الجرح والتعديل) لقاسم علي سعد (ص59 - 60) ومقدمة محمد عوامة للكاشف (ص67) وتعليقه عليه (ص95) و (ص96 - 97) والرفع والتكميل (ص153 - 155) وترجمة جراح بن منهال من (التنكيل) (ص422).
وبعد نقل ما تقدم أقول: لا أعلم أحداً ذكر هذه المسألة قبل الحاكم، ولا أعلم أحداً قبل ابن القطان تابعه عليها، وابن حجر على سعة اطلاعه لم ينقلها عن غير ابن القطان؛ وابن القطان ناقد محقق مجتهد ثاقب الفطنة وقاد الذهن ولكن ما قاله دعوى عارية عن الدليل مخالفة للظاهر المعروف المشهور فلا تقبل منه؛ فإن كل ما يكون خلاف الظاهر فإنه لا يقبل إلا بدليل، ولا دليل هنا، ومن المعروف أن الرواة المقلين أكثر بكثير جداً من المكثرين، وفيهم أعني المقلين - الثقة وغيره؛ وكلمة الحاكم هذه إما أن يكون ذكرها في ترجمة كثير هذا فتبعه في ذلك ابن حجر أو يكون قد ذكرها في ترجمة غيره وابن حجر هو الذي ذكرها في ترجمة كثير.
وعلى فرض صحة هذه الدعوى التي قالها الحاكم، فالحاكم ملوم في أحد الاحتمالين اللذين ذكرتهما دون الآخر، وابن حجر ملوم على كلا الاحتمالين، أما الحاكم فيلام إن كان ذكرها في ترجمة كثير، لا إن كان ذكرها في ترجمة من لم يرو عنه إلا نحو ثلاثة من الرواة نحو ثلاثة من الأحاديث.
وأما ابن حجر فإن كان قد سبقه الحاكم إلى ذكرها في ترجمة كثير فهو ملوم لعدم التعقب، وإلا فهو ملوم من باب أولى، كما هو واضح.
إنه لا وجه لذكر هذا التفسير لكلمة ابن معين هذه في ترجمة كثير هذا، لأنه ليس من المقلين الذين يتبادر إلى الذهن عند سماع مثل كلمة ابن معين – على افتراض أن ما قاله الحاكم صحيح - أنها قيلت فيهم بسبب إقلالهم.
ومن روى عنه كل هؤلاء الذين ذكرهم المزي، كما يأتي، ويحتمل أن يوجد معهم غيرهم، فإن في وصفه بالإقلال نظراً لا يخفى، وكثرة كلام العلماء فيه تقوية وتضعيفاً إن لم تدل على إكثاره فهي دالة قطعاً على عدم إقلاله.
ولذا كان لا بد قبل الاسترسال في الإجابة من التمهيد لها بحكاية ما أورده ابن حجر في ترجمة كثير بن شنظير من (تهذيب التهذيب).
قال ابن حجر:
(كَثِيْرُ بنُ شنْظِير المَازِنِيّ، ويقال: الأَزْدِيّ، أبو قُرّة البَصْرِيّ.
روى عن: عطاء، ومجاهد، والحسن، ومحمد وأنس ابني سيرين، ويوسف بن أبي الحكم، وغيرهم.
وعنه: سعيد بن أبي عروبة، وحماد بن زيد، وعبد الوارث بن سعيد، وأبان بن يزيد العطار، وحفص بن سليمان الغاضري، وأبو عامر الخزاز، وعباد بن عباد، وبشر بن المفضل، وجماعة.
[قلت: بل قال المزي: (روى عنه: أبان بن طارق, وأَبان بن يزيد العَطّار, والأسود بن شَيْبان, وبِشْر بن جَبَلة القُرَشيّ, وبِشْر بن المُفَضّل, والحارث بن نَبْهان, وحفص بن سُليمان الأسَديّ الغاضِريّ (ق) , وحفص بن عمر البَزّاز, وحماد بن زيد, (خ م د ت) , وحماد بن يحيى الأبَح, وسعيد بن أبي عَروبة, وصالح بن رُستم أبو عامر الخَزّاز, وعَبّاد بن عَبّاد المُهَلّبيّ, وعبد الوارث بن سعيد (خ م) , وهشام بن حَسّان)، انتهى].
ثم قال ابن حجر: قال عبد اللّه بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: صالح، ثم قال: قد روى عنه الناس [قلت: هذه العبارة تدل على كثرة مروياته، وهو ما يشعر به سياق ابن حجر فإنه ذكر في الرواة عنه ثمانية من كبار المحدثين ثم عطف عليهم جماعة]، واحتملوه، وقال مرة: صالح الحديث.
وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح.
وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء.
وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه، وكان ابن مهدي يحدث عنه.
وقال أبو زرعة: لين.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال ابن عدي: أرجو أن تكون أحاديثه مستقيمة.
¥