تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهي أن الحكم على الراوي بالجهالة ليس جرحاً حتى نعارض به من حكم عليه بالجرح أو التعديل، وإنما هو إخبار من الناقد بعدم شهرة هذا الراوي والعلم بكثير من أحواله وفي الغالب أنها تجتمع مع عدم العلم بالعدالة.

ومما يؤيد هذا أنك تجد أئمة الحديث المتقدمين يحكمون على الراوي بالجهالة، ثم هم مع ذلك يصححون حديثه، وعندي على ذلك أمثلة من كلام أبي حاتم الرازي (المتشدد!) فضلاً عن غيره من النقاد!

ويزيد هذا وضوحاً أن الناقد (الواحد) ربما حكم على الراوي بالجهالة وأثبت (هو نفسه) لـ (نفس الراوي) استقامة حديثه وتوثيقه بذلك!

قال علي بن المديني: (عتي بن ضمرة السعدي، مجهول، سمع من أبي بن كعب، لا نحفظها إلا من طريق الحسن، وحديثه يشبه حديث أهل الصدق، وإن كان لا يُعرف).

وقال يعقوب بن شيبة عن داود بن خالد بن دينار المدني: (مجهول، لا نعرفه، ولعله ثقة).

بل لا يخفاك إطلاق علي بن المديني وأبي حاتم الرازي صفة الجهالة على بعض الصحابة!!

فهل بعد هذه المواقف كلها من هؤلاء النقاد يمكن أن نقول بأن الحكم على الراوي بالجهالة يعارض الحكم عليه بالتوثيق؟!

وإني لأعجب من فهمك بأن حكم إمام على راو بالجهالة يعني أنه سبر حديثه فلم ير أنه يصل لدرجة التوثيق! ثم تقول: فكيف بمن تأخر بعده أن يعرفه ويوثقه؟!!

وقد قدمت لك معنى حكم الناقد على الراوي بالجهالة وأنها لا تعارض حكم غيره (توثيقاً أو تجريحاً)، فليس في حكم الناقد بالجهالة دلالة على أنه سبر حديثه فلم يره يصل لدرجة التوثيق، وإلا كيف تفسر (توثيق) النقاد أو (تصحيحهم) لراو مع حكمهم عليه بالجهالة؟!

ثم قلتَ بعد ذلك بأن ذكر ابن أبي حاتم لراو مع عدم ذكر جرح فيه أو تعديل يعني جهالته عنده، وبم تريد أن تستدل على ذلك؟، أتريد أن حكمه بالجهالة يقدم على حكم غيره (بالتوثيق أو التجريح) مطلقاً!، وقد قدمت لك خطأ ذلك (أي خطأ أن نجعل الحكم بالجهالة معارضاً للحكم بالتوثيق أو التجريح).

أم تريد أن تستدل على أنه رأى حديث هذا الراوي فلم يوثقه، فدل ذلك على تساهل غيره (من أئمة الحديث الكبار) لَمّا وثقه، وقد قدمت لك خطأ ذلك (أي خطأ فهم أن الناقد لما حكم بالجهالة يعني ذلك سبره لحديث الراوي).

وقد ذكرت في تعقيبك الثاني ثلاثة أمثلة تستدل بها على ما ذكرت.

أما المثال الأول فإن الكلام السابق يجيب عنه.

وأما المثال الثاني وهو العالية امرأة أبي إسحاق السبيعي فإن الدارقطني جهلها (كما ذكرت) ولم يحتج بها الشافعي مع أن العجلي قد وثقها واحتج بها مالك وقد رأيت أخي الفاضل أن هذا (من التناقض وما لنا إلا السكوت عليه)!!

ثم استدللت بذلك على أن المسألة هي اختلاف مناهج، وأقول لك:

ولِمَ ترى هذا المثال من التناقض!، أليس هناك اختلاف في الاجتهاد؟، ولا يخفاك أخي اختلاف أئمة الحديث في الراوي الواحد جرحاً وتعديلاً بسبب اختلافهم في وجود الشروط وتحققها التي ينبغي على الراوي الاتصاف بها حتى يقبل حديثه، وهذا المثال الذي ذكرته هو من هذا الباب، أعني اختلاف اجتهاد أئمة الحديث.

أما ذكرته من تجهيل الدارقطني لها وعدم عمله بحديثها لما كان مخالفاً لمذهبه الشافعي، فأقول:

أولاً: كأنه يفهم من كلامك أن الدارقطني إنما رد حديثها لمخالفته لمذهبه، ولا يخفاك أن أئمة الإسلام أجلّ وأعظم من أن يردوا حديثاً لمجرد مخالفته لما تمذهبوا عليه، وإنما لما رأى الدارقطني في الحديث نكارة عنده رده من أجل ذلك.

وقد تقول حينئذ رجعنا إلى وجود اختلاف بين العلماء في معايير النكارة، وأقول: لا شك أن هناك أموراً يتفق أئمة الحديث على نكارتها، وهناك أموراً يختلفون فيها، هل فيها نكارة أو لا وهذا من باب اختلاف اجتهاداتهم فيها، مثل ما يختلفون في تضعيف راو أو توثيقه، وليس معنى وجود هذا الاختلاف هو طرح الثقة بأحكامهم.

وأما المثال الثالث: وهو توثيق الدارقطني لنافع بن محمود بن الربيع مع عدم ترجمة البخاري وابن أبي حاتم له وتجهيل ابن عبدالبر له، فلا يخالف أيضاً ما قدمته، وعلى فرض أن الدارقطني اجتهد في توثيق هذا الراوي وأخطأ وخالفناه في ذلك = فهل يعني هذا خطأ منهج الدارقطني كله؟!!

ثم ما معنى قول الدارقطني عن الحديث (حديث حسن)؟

قام أحد زملائنا ببحث منهج الدارقطني في تحسينه للأحاديث في رسالة ماجستير، وقد اطلعني على خلاصة ما توصل إليه، وهو أن حكم الدارقطني على الحديث بأنه حسن، حكم عام، فهو قد حكم على أحاديث بأنها حسنة وفيها رواة ضعفاء وأحاديث شاذة وأحاديث فيها تفرد، وهذا الحديث ما أقربه أن يكون تحسينه له من أجل تفرد هذا الراوي به، وقد تقول لكنه قال عن الحديث رواته ثقات، وأقول لك هذا اجتهاد من الدارقطني، ثم الجهالة لا تعارض التوثيق كما قدمته لك غير مرة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير