أما بالنسبة لابي حاتم فالظاهر أن ما لم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا في كتابه فهو مجهول عنده.
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2\ 38): «ولم نَحكِ عن قومٍ قد تكلموا في ذلك، لقِلة معرفتهم به. ونسبنا كل حكاية إلى حاكيها والجواب إلى صاحبه. ونظرنا في اختلاف أقوال الأئمة في المسئولين عنهم، فحذفنا تناقض قول كل واحد منهم، وألحقنا بكل مسئولٍ عنه ما لاقٍ به وأشبه من جوابهم. على أنا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل كتبناها ليشتمل الكتاب على كل من روى عنه العلم رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم. فنحن ملحقوها بهم من بعد».
ولذلك قال ابن القطان الفاسي كما في "الوهم والإيهام" (2\ 135): «ونبيِّن الآن أن أبا محمد بن أبي حاتم إنما أهمل هؤلاء من الجرح والتعديل، لأنه لم يعرف فيهم (حُكماً)، فهم عنده مجهولو الحال».
وقول ابن أبي حاتم: «ولم نَحكِ عن قومٍ قد تكلموا في ذلك، لقِلة معرفتهم به» دليلٌ على رفض توثيق من يوثق المجاهيل. فإذا قال أحد ابن حبان –مثلاً– عن أحد التابعين أنه ثقة، ولم يسبقه أحدٌ لذلك، حذفنا توثيقه ولم نهتم به، لأنه توثيق لمجهول، لا يعرف ابن حبان عنه شيئاً.
أما تفريقك بين توثيق ابن حبان وتوثيق العجلي، فعجيب! لأن غالب المجاهيل الذين وثقهم اب حبان قد وثقهم العجلي كذلك!
س21: إذا لم نجد في الراوي إلا توثيق ابن حبان والعجلي أو أحدهما فما العمل؟
الجواب (من الشيخ السعد): طبعاً لا يخفى أن ابن حبان (رحمه الله) عنده أن الثقة الذي لم يجرح، والعجلي (رحمه الله) قريب مذهبه من مذهب ابن حبان، وأنه يتوسع في توثيق المجاهيل وبالذات إذا كانوا من طبقة كبار التابعين وطبقة التابعين. وهذا يظهر لمن تتبع كلام العجلي، إذا تتبع الإنسان كلام العجلي: لو تتبع مائتين راوي أو ثلاثمائة راوي ممن ذكرهم العجلي في كتابه الثقات وحكم بتوثيقهم العجلي فلو تتبع هذا العدد مائتين أو ثلاثمائة سوف تجد هذا ظاهراً ولذلك نص المعلمي (رحمه الله تعالى) على هذا. والعجلي (رحمه الله) لا شك أنه من كبار أهل العلم والفضل (رحمه الله)، لكن فيما يتعلق بتوثيق المجاهيل هو هذا الشيء يسلكه، نعم، ويتوسع فيه. وكذلك أيضا يتساهل ببعض الضعفاء فيوثقهم أيضاً كما أنه أحياناً قد يكون الشخص لا يصل إلى درجة أن يقال عنه ثقة ثبت أو ثقة يصل إلى درجة الصدوق أو الثقة الذي له أوهام فيقول عنه مثلاً: ثقة أو ثقة ثبت، وما شابه ذلك. فهو عنده (رحمه الله) شيء من التساهل في هذا. وعند التحقيق أن هناك أيضاً غير العجلي وابن حبان يفعلون ذلك منهم ابن جرير الطبري في كتابه (تهذيب الآثار) ممن أيضاًَ يفعل ذلك ويتوسع في هذا الأمر، منهم أبوعبدالله الحاكم في كتابه (المستدرك) أحياناً يفعل ذلك: يصحح حديث المجهول، نعم، وغير هؤلاء. فهناك من يسلك هذا المنهج، نعم، وطبعاً لا يخفى أن أيضاً بعض الأئمة كيحيى بن معين أو النسائي أحياناً أو أبوزرعه أحياناً قد يوثقون أيضا أناس ليسو بالمشهورين وفي الحقيقة أن هذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب:
1) من يتوسع في ذلك كابن حبان والعجلي.
2) وفي طرف يقابل هذا الطرف وهو: التضييق في هذا والتشديد في ذلك كما يفعل ذلك ابن حزم وابن القطان الفاسي حتى أنهم قد يجهلون أناس من الثقات أو أناس لابأس بهم.
3) والقول الوسط هو مذهب ابن معين والنسائي وغيرهم: أنهم قد يوثقون أحياناً من ليس بالمشهور، ولكن وفق شروط: إذا استقام حديث هذا الشخص فهنا قد يوثقونه ويقبلونه. وهناك أمثله كثيرة على هذا من تتبع (الميزان) للذهبي يجد أنه ينبّه على هذا. وقد نبه أيضاً المعلمي على هذا في كتابه (التنكيل). والمسألة تحتاج إلي بسط أكثر لكن لعله يكتفى بما تقدم.
ـ[ابن معين]ــــــــ[12 - 01 - 03, 04:43 م]ـ
أخي الفاضل: محمد الأمين ..
إذا قلنا أن النسائي أخطأ في توثيقه لخشف بن مالك الطائي وأنه تساهل في هذا الراوي فهل هذا لوحده كاف في وصف النسائي بالتساهل؟!
أما بالنسبة لمن ذكره ابن أبي حاتم في كتابه ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
فأقول: لِمَ لَمْ يقل عنه مجهول؟! مع أنه قال عن قريب من الألف وخمسمائة راو إنه مجهول كما أحصيتهم.
وكأن قوله (رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم، فنحن ملحقوها بهم من بعد) يدل على عدم يأسه من معرفتهم ورجائه من ذلك، وهذا بخلاف من جهلهم.
¥