تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أو إنكار أمر متواتر من الشرع معلوم من الدين بالضرورة، أو اعتقاد عكسه. وأما غير المكفر فقد زعم البعض أنه يقبل من روايته ما انفرد به خاصة. وذهب جماعة إلى قبول روايته مطلقاً سواء كان داعية أو غير داعية، متفرداً أو غير متفرد، لكن خص بعضهم قبول رواية الداعية بما إذا اشتملت على رد بدعته. واختار فريق كبير من الأئمة قبول روايته غير الداعية فقط، ونسب هذا القول للأكثرين، ويرى بعض أصحاب هذا الفريق أنه يشترط لقبول رواية غير الداعية أن لا يروي ما يقوي بدعته.

وذهب بعض الأئمة إلى تفصيل آخر، فقسموا البدعة إلى غليظة، ومتوسطة، وخفيفة. فردوا رواية أهل البدعة الأولى مطلقاً، وقبلوا رواية غير الداعية من المتوسطة، ورجحوا القبول المطلق لرواية من كانت بدعته خفيفة. فهذا التقسيم قريب من الواقع، لذا ينبغي دمجه مع التقسيم السابق، حتى لا يبقى الأول نظرياً ليس له كبير حظ من التطبيق.

وقد اضطربت أقوال النقاد كثيراً في دراسة مسالة البدعة من حيث قبول رواية صاحبها أو عدمه، وأقر الذهبي بعدم اكتمال صورتها عنده فقال: (هذه مسألة كبيرة، وهي: القدري، والمعتزلي، والجهمي، والرافضي، إذا علم صدقه في الحديث. وتقواه، ولم يكن داعياً إلى بدعته، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته، والعمل بحديثه، وترددوا في الداعية، هل يؤخذ عنه؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه. وهجرانه، وقال بعضهم: إذا علمنا صدقه. وكان داعية، ووجدنا عنده سنة تفرد بها، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام، ولم تبح دمه، فإن قبول ما رواه سائغ. وهذه المسألة لم تبرهن لي كما ينبغي، والذي أتضح لي منها أن من دخل في بدعة، ولم يعد من رءوسها، ولا أمعن فيها، يقبل حديثه (1)، ولعل هذا القول من الذهبي هو من أحسن ما كتب في هذه المسألة لصراحته في التفريق بين أقوالهم النظرية المائلة إلى التضييق، وواقعهم العملي الموسع.

وأشرع الآن في الحديث عن اثر البدعة في الحكم على الرواة عند النسائي فأقول: لم يعتن أبو عبد الرحمن حالة حكمه على الرجال بذكر ما نسبوا إليه من بدع إلا في عدد يسير جداً من الرواة. ففي القسم المقرر للدراسة قال في الجار ود بن معاذ: (ثقة إلا أنه كان يميل إلى الإرجاء). وقال في حماد بن أبي سليمان: (ثقة إلا أنه مرجئ). كما أنه قال في أحمد بن حفص النيسابوري: (مرجئ) مع توثيقه له في موضع آخر. وقد قال أيضاً في سعيد بن أوس أبي زيد الأنصاري: (نسب إلى القدر)، ولم يذكر فيه شيئاً آخر لذا أدرجت هذا الرجل في قسم المجروحين والملينين مع انه صدوق حسن الحديث. وقال النسائي أيضاً في أجلح بن عبد الله الكوفي: (ليس بالقوي، وكان مسرفاً في التشيع) وقال فيه أيضاً: (ضعيف، ليس بذاك، وكان له رأي سوء). وقال في حفص الفرد: (صاحب كلام لا يكتب حديثه). فهذا جميع ما في القسم المخصص للدراسة من رمي الرواة بالبدع، وأما في غيره فهو: قوله في عبد الله بن شريك الكوفي كما في الضعفاء والمتروكين: (ليس بالقوس مختاري) وقد قال فيه في موضع آخر: (ليس بذلك). وفي موضع آخر: (ليس به بأس) وقوله في علي بن المنذر الطريقي كما في المعجم المشتمل: (شيعي محض، ثقة). وقوله في القاسم بن معن كما في السنن الكبرى: (كان القاسم بن معن من الثقات إلا أنه كان مرجئاً). وقوله في قيس بن مسلم الجحدلي كما في تهذيب الكمال: (ثقة وكان يرى الإرجاء). وقد قال أيضاً في يونس بن راشد كما في ميزان الاعتدال: (كان مرجئاً وكان داعياً).

فقد لهج في هذا العدد القليل بذكر البدعة الإرجاء حيث نسبها إلى ستة من الرواة، ووسم ثلاثة ببدعة الكوفيين، ورمى رجلاً واحداً بالقدر، ووصف آخر بأنه صاحب كلام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير