تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويستغرب منه اهتمامه بنسبة الإرجاء إلى هؤلاء الرواة مع إغفاله نسبة البدعة الشديدة والشنيعة إلى جماعات كثيرة جداً. لكنه أحسن بإطلاق التوثيق في عامة الذين نسبهم إلى الإرجاء، مما يدل على عدم تأثير هذه البدعة عنده في الثقات الرفعاء، أي أنها لا تخرج الثقة عن مرتبته. بيد أن قوله في يونس بن راشد: (كان مرجئاً وكان داعية) قد يفهم منه غمزة له، لا سيما أنه لم يصرح بتعديله. لكن لا يكفي هذا المثال الواحد لإثبات منهج النسائي في الدعاة إلى البدعة وعامة النقاد على عد يونس في الدرجة التالية للتوثيق المطلق.

ويبدوا لي من خلال استعراض عامة التراجم المدروسة أن مذهب النسائي في المبتدعة هو عدم تأثير بدعهم على حديثهم إن كانوا صادقين ضابطين ولو كانوا غلاة أو دعاة. لأنه أطلق التوثيق في الحارث بن حصيرة، وهو متهم بالإيمان برجعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الدنيا. كما أنه أطلقه في أسد بن وداعة الحمصي، وهو ناصبي كان يشتم علياً رضي الله عنه. ويدعو إلى ذلك. وأما توثيقه المطلق لغير الغلاة والدعاة من المبتدعة فهو كثير –ينظر ترجمة أبان تغلب وهو إن لم يكن رافضاً فغال في التشيع وربما كان داعية، وترجمه إبراهيم بن يوسف الماكيني، وأيوب بن عائد الطائي، وكلاهما من المرجئة، وترجمة ثور بن زيد الديلي، وثور بن يزيد الكلاعي، وهما قدريان، وتلبس الأول أيضاً ببدعة الخوارج، والآخر ببدعة النصب، وترجمه الحسن بن علي الحلواني وقد حملوا عليه عدم تكفيره لمن وقف في القرآن، وترجمه ذر بن عبد الله الهمداني، وهو من المرجئة. وقد قال النسائي مرة في إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الناصبي: (ثقة حافظ للحديث). ومرة: (لا بأس به). وقال في برد بن سنان مرة: (ثقة) ومرة: (ليس به بأس). وهو قدري، وقال في أحمد بن حرب الطائي: (لا بأس به) وهو أحب إلينا من أخيه علي بن حزب) وقد أنكر عليه تكلمه في مسألة اللفظ، وقال في إسماعيل بن سميع: (ليس به بأس) وهو من المرجئة، بل نسبه البعض إلى الدعوة إلى مذهبه.

لكن أبا عبد الرحمن لم يكن يقبل رواية من بالغ في غلوه إلى درجة المروق، لذا قال في حفص الفرد الذي كفره الشافعي: (صاحب كلام، لا يكتب حديثه).

فهذا الذي استنبطه من مذهب النسائي في المبتدعة لم يتفرد به أبو عبدالرحمن، وإنما ذهب إليه جماعات كثيرة، بل قال الذهبي كما تقدم: (فجمع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام، ولم تبح دمه، فإن قبول ما رواه سائغ). وقال البغوي: (وكذلك اختلفوا في رواية المبتدعة وأهل الأهواء، فقبلها أكثر أهل الحديث إذا كانوا فيها صادقين …) (1).

الاختلاط: وقع جماعة من الأئمة وغيرهم في الاختلاط أو التغير في آخر أعمارهم بسبب الخرف الناتج عن كبر السن، أو فقدان بصر. أو ولد. أو مال، أو ذهاب كتب. أو غير ذلك. والحكم فيهم إجمالاً ما قاله ابن الصلاح: (أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أشكل أمره، فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده) (2).

وحرص النسائي عند ذكره لكثير من الرواة الذي عرض لهم هذا الأمر على التنبيه إلى تغيرهم أو اختلاطهم، واهتم أيضاً بذكر حكم حديثهم قبل الاختلاط، وميز في بعضهم حديثهم قبل الاختلاط عن حديثهم بعده بتسمية أشهر من روى عنهم قبل التغير وبعده. وإليك الآن سرد ما أوردته عن النسائي من ذلك في القسم المخصص للدراسة.

فقد نقلت في ترجمة حماد بن زيد عن النسائي قوله: (ودخل عطاء بن السائب البصرة مرتين فمن سمع منه اول مرة فحديثه صحيح، ومن سمع منه آخر مرة ففي حديثه شيء، وحماد بن زيد حديثه عنه صحيح). وأوردت في ترجمة سرار بن مجشر قول أبي عبد الرحمن فيه: (ثقة .. وهو ويزيد يقدمان في سعيد بن أبي عروبة، لأن سعيداً كان تغير في آخر عمره فمن سمع منه قديماً فحديثه صحيح). وقال النسائي أيضاً في سعيد بن إياس الجريري: (ثقة أنكر أيام الطاعون). وقال فيه أيضاً: (أنكر أيام الطاعون، وهو أثبت عندنا من خالد الحذاء ما سمع منه قبل أيام الطاعون). وقال فيه أيضاً: (حماد بن سلمة في الجريري أثبت من عيسى بن يونس، لأن الجريري كان قد اختلط، وسماع حماد بن سلمة منه قديم قبل أن يختلط).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير