وقال في أصبغ مولى عمرو بن حريث مرة: (ثقة) ومرة (قيل: إنه كان تغير). وقال في بحر بن مرارة مرة: (ليس به بأس). ومرة (تغير) وقال في حصين بن عبد الرحمن السلمي مرة تغير ومرة: وقد كان حصين حصين بن عبد الرحمن اختلط في آخر عمره. وقال في رواد بن الجراح: (ليس بالقوي روى غير حديث منكر وكان قد اختلط).
التدليس: وهو قسمان تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ.
فأما تدليس الإسناد فهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهماً أنه سمعه منه. ويندرج تحته نوعان من التدليس، وهما: تدليس العطف وهو أن يصرح بالتحديث عن شيخ له ويعطف عليه شيخاً آخر له ولا يكون سمع ذلك من الثاني. وتدليس القطع وهو نوعان: الأول: أن يحذف الصيغة فيقول على سبيل المثال: الزهري عن أنس. والثاني: أن يأتي بصيغة السماع ثم يسكت ناوياً القطع ثم يذكر اسم من أراد التوهيم بسماع ذلك الحديث منه. هذا، ومما يلحق بتدليس الإسناد. تدليس التسوية وهو أن يسقط شيخ شيخه الضعيف من بين ثقتين لقي أحدهما الآخر ويأتي بينهما بصيغة العنعنة أو نحوها من تصريحه هو بالاتصال بينه وبين شيخه.
وأما تدليس الشيوخ فهو أن يروي عن شيخ حدثاً سمعه منه فيسمسه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف. ويلحق بهذا القسم تدليس البلاد كأن يقول البغدادي حدثني فلان بما وراء النهر ويعني نهر دجلة.
وأدخل البعض تدليس الشيوخ في تدليس الإسناد. وجعل القسم الآخر: تدليس المتن وهو المدرج.
وقد اختلف الأئمة في الحكم على رواية المدلس، فقيل: ترد مطلقاً، وهو قول نظري. وقيل: تقبل مطلقاً ما لم يتبين في حديث بعينه عدم سماع المدلس من المدلس عنه. وقال الجمهور بالتفصيل وهو الصحيح، وذلك أنه لا يقبل من روايته إلا ما بين فيه الاتصال بينه وبين شيخه، مع ملاحظة الاتصال فوق ذلك فيمن عرف بتدليس التسوية. وقد احتمل تدليس البعض.
ولم يعتن النسائي حالة حكمه على الرجال بالإشارة إلى تدليس من عرف به منهم، ففي القسم المخصص للدراسة بين حكم رواية مدلس واحد فقط وهو بقية بن الوليد فقال: (إن قال: أخبرنا أو حدثنا، فهو ثقة، وإن قال: عن، فلا يؤخذ عنه، لا يدرى عمن أخذه) وقال فيه ثقة وإن قال: عن، (لا يؤخذ عنه لا يدرى عمن أخذه) وقال فيه أيضاً: (إذا قال: حدثني وحدثنا، فلا بأس). لكن أبا عبد الرحمن سرد أسماء جماعة من المدلسين فقال: (ذكر المدلسين: الحسن وقتادة، وحميد الطويل، ويحي بن أبي كثير، والتميمي، ويونس بن عبيد، وابن أبي عروبة، وهشيم، وأبو اسحاق السبيعي، واسماعيل بن أبي خالد، والحكم، والحجاج بن أرطأة، ومغيرة، والثوري، وأبو الزبير المكي، وابن أبي نجيح، وابن عيينة) (1)، وذكر ابن حجر في مقدمة تعريف أهل القول السابق من هذه الرسالة أو أنه كلها.
وفي ختام هذا الموضوع – أعني منهج النسائي في التوثيق والتعديل- أشير إلى أن أبا عبد الرحمن يعد من المتشددين في التوثيق والتعديل (2) من جهة استعماله بعض العبارات في درجة أرفع مما هي عليه في اصطلاح المتأخرين. كعبارة: (ليس به بأس) فإن أكثر الذين وصفهم بها هم ثقات مطلقاً، بل إنه قال في جماعة كبيرة منهم في موضع آخر: (ثقة). لذا فهي أرفع عنده من عبارة: (صندوق). كما أن عبارة (صالح) التي وضعت في أدنى مراتب التعديل تضاهي عند النسائي عبارة: (صدوق). والله أعلم.
(1) سير أعلام النبلاء 11\ 82.
(2) رسالة في الجرح والتعديل 47.
(3) ميزان الاعتدال 3\ 46.
(1) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل 158 - 159.
(2) الإرشاد1\ 436.
(3) سير اعلام النبلاء 14\ 133
(1) ميزان الاعتدال 1\ 437.
(2) سير اعلام النبلاء 9\ 228.
(3) المغني في الضعفاء 2\ 538.
(4) هدي الساري 387.
(5) وذلك في القسم الذي خصصته للدراسة والمقارنة وأخراج عن هذا كثيراً في الحاشية من غير التزام.
(6) أعني بتلك الالفاظ ما قاله النسائي في مجلس واحد، ولم أجمع بين أكثر من قول له.
(7) قاله النسائي في بكير بن عبد الله بن الاشج وقد قاله ايضا ً في عمرو بن منصور النسائي كما في شيوخ النسائي
(8) قاله في إبراهيم ابن محمد أبي اسحاق الفزاري. وقد قاله أيضا في علي بن المديني كما في تهذيب التهذيب.7/ 356 مع زيادة كلمة في الحديث.
¥