كتابا وعهدا فكتب بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عهد من رسول الله لعمرو ابن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره كله فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأمره أن يأخذ الحق كما أمره أن يبشر الناس بالخير وساق الكتاب بطوله، وقال ابن أبي شيبة في المصنف ثنا سليمان بن داود عن شعبة عن أبي إسحاق قال كتب إلينا ابن الزبير بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان صدقة الفطر صاع صاع.
(فصل) وأما الاقتباس في الشعر فلم ينص عليه متقدمو أصحابنا مع شيوعه في إعصارهم واستعمال الشعراء له قديما وحديثا فسكوتهم على ذلك وعدم نصهم على تحريمه يدل على أنهم رأوه جائزا كضرب الأمثال والاقتباس في النثر وأصرح من ذلك أن جماعة من أئمة المذهب استعملوه في شعرهم قال الشيخ تاج الدين السبكي في الطبقات في ترجمة الأستاذ أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي أحد كبار الأصحاب وأجلائهم من شعر قوله:
يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف * ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف
أبشر بقول الله في آياته * إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
قال ابن السبكي استعمال مثل الأستاذ أبي منصور مثل هذا الاقتباس في شعره فائدة فإنه جليل القدر وبعض الناس بحث أنه لا يجوز وهذا الأستاذ أبو منصور من أئمة الدين وفد فعل هذا، واسند عنه هذين البيتين الأستاذ الحافظ أبو القاسم بن عساكر وهما حجة في جواز مثل ذلك. قلت وروى البيهقي في شعب الإيمان عن شيخه أبي عبد الرحمن السلمي قال أنشدنا أحمد بن محمد بن يزيد لنفسه:
سل الله من فضله واتقه * فإن التقى خير ما يكتسب
ومن يتق الله يجعل له * ويرزقه من حيث لا يحتسب
فإسناد البيهقي هذا الشعر وتخريجه في مثل هذا الكتاب الجليل يدل على أنه يجوزه وقد استعمله أيضا الإمام الرافعي وناهيك به إمامة وجلالة وورعا فقال وأنشده في أماليه ورواه عنه الأئمة:
الملك لله الذي عنت الوجو * ه له وذلت عنده الأرباب
متفرد بالملك والسلطان قد * خسر الذين تجاذبوه وخابوا
دعهم وزعم الملك يوم غرورهم * فسيعلمون غدا من الكذاب
واستعمله أيضا شيخ الحموي وابن الوردي وجمع من المتأخرين آخرهم الحافظ ابن حجر ولما أنشأ شيخنا الشهاب الحجازي كتابه في اقتباسات القرآن أوقفه عليه فكتب له خطه عليه وأثنى عليه، وقال الشرف بن المقري صاحب الروض والإرشاد في شرح بديعيته: ما كان من الاقتباس في الشعر في المواعظ والزهد ومدحه صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه فهو مقبول وغيره مردود، وقال التقى بن حجة: الاقتباس ثلاثة أقسام مقبول ومباح ومردود فالأول ما كان في الخطب والمواعظ والعهود والثاني ما كان في الغزل والرسائل والقصص والثالث ما كان في الهزل والخلاعة. وذكر الشيخ علاء الدين العطار تلميذ النووي في كتاب له ألفه في الشعر أنه سأل النووي عن الاقتباس فأجازه في النثر وكرههه في الشعر، ووافقه على ذلك الشبح بهاء الدين ابن السبكي فجوزه في النثر واستعمله وقال الورع اجتنابه في الشعر- ذكره في عروس الأفراح، قلت وعلة التفرقة بين النثر والشعر ظاهرة فإن القرآن الكريم لما نزه عن كونه شعرا ناسب أن يتنزه عن تضمينه الشعر بخلاف النثر. هذا مجموع المنقول عندنا في هذه المسألة، وحاصلة الاتفاق على جواز ضرب الأمثال من القرآن واقتباسه في النثر والاختلاف في اقتباسه في الشعر فالأكثرون جوزوه واستعملوه منهم الرافعي وأما النووي والبهاء بن السبكي فكرهاه ورعا لا تحريما، ولم أقف على نقل بتحريمه لأحد من الشافعية، ومحل ذلك كله في غير الهزل والخلاعة والمجون.
ويلتحق بما نحن فيه فائدة جليلة ذكر جماعة من المتأخرين منهم الشيخ ولي الدين العراقي عن الشريف تقي الدين الحسيني أنه نظم قوله:
مجاز حقيقتها فاعبروا * ولا تعمروا هونوها تهن
وما حسن بيت له زخرفت * تراه إذا زلزلت لم يكن
¥