تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم يزل مشايخنا يقولون: إن العلوم لايكتمل نموها، ولاتبلغ مرحلة ازدهارها، إلا حين تظهر المصنفات المستقلة في المسائل المفردة منها، تأريخاً لأصولها، وتأصيلاً لفروعها، وضبطاً لمسائلها، وجمعاً لشتيت كلام العلماء فيها ومذاهبهم.

وقد كان البلاغيون في بحثهم للاقتباس يعرضون له من حيث هو فنّ بديعي جميل، يَبين به فضل الكلام، وتتفاوت فيه أساليب البلغاء، من الشعراء والناثرين، وأما غير البلاغيين، وأعني بهم علماء الشريعة والفقهاء، فيتناولونه من جهة حكمه الشرعي، جوازاً ومنعاً.

وثمة جماعة من المصنفين وضعوا فيه تآليف مفردة، طرقوه فيها من غير جهة؛ وقد انتهى إلينا بعض تلك التآليف، وبعضها ما زال مخطوطاً، ومنها ما لا نعلم عنه شيئاً سوى اسمه، ومن تلك المصنفات:

1 - الاقتباس من القرآن، لأبي منصور الثعالبي (ت 429هـ) " مطبوع " (2).

2 - اقتباسات القرآن، للشهاب أحمد بن محمد الحجازي (ت 875 هـ)، ذكره السيوطي (3).

3 - أحاسن الاقتياس في محاسن الاقتباس، لجلال الدين لسيوطي (ت 911 هـ) " مخطوط " (4).

4 - رفع الباس وكشف الالتباس في ضرب المثل من القرآن والاقتباس، للسيوطي أيضاً " مطبوع " (5).

5 - دفع الالتباس عن منكِر الاقتباس، لأبي بكر محمد بن أبي اللطف الحَصْكَفي الشافعي (كان حياً سنة 992هـ) " مخطوط " (6).

6 - رنة المثاني في حكم الاقتباس القرآني، لعبد الله بن عمر بن محمد الطرابلسي الدمشقي الحنفي (ت 1145 هـ) (7).

7 - حكم الاقتباس، لمحمد الإفراني (توفي بعد 1155 هـ) (8).

ذلك مجمل ما وجدنا من اسماء التآليف في موضوع الاقتباس.

وقد وقفت على كتاب الثعالبي فإذا هو قد جمع فيه شيئاً كثيراً من اقتباسات البلغاء - شعراء وناثرين - من القرآن، وأما " أحاسن الاقتياس " فرسالة صغيرة في خمس ورقات، أودعها السيوطي نظماًً له فيه اقتباس من القرآن، على هيئة مقطوعات، رتب رويّها على حروف الهجاء، وأما رسالته الأخرى " رفع الباس " فتعرض فيها للحكم الشرعي للاقتباس، قاطعاً بجوازه، وقد حشد فيها جمعاً من النصوص النثرية والشعرية، المشتملة على الاقتباس، ومن كلام العلماء، مما يؤيد مذهبه.

وأما " دفع الالتباس " فرسالة في بيان جواز الاقتباس، وهي في سبع ورقات كتبها ابن أبي اللطيف رداً على من أنكر عليه اقتباساً في بعض كلام له، وقد ساق ابن أبي اللطف في رسالته من اقتباسات بعض العلماء في خطبهم وأشعارهم، ومن خطبه هو التي ألقاها من على منبر المسجد الأقصى - فك الله أسره - حيث كان خطيباً له، كما نقل عن السيوطي كلامه في الاقتباس في حاشيته على تفسير البيضاوي.

وأما الرسالتان أو المصنفان الآخران " رنة المثاني " للطرابلسي و "حكم الاقتباس " للإفراني فلم أقف عليهما، وواضح من عنوانيهما أنهما يتحدثان في الاقتباس من الوجهة الشرعية، والله أعلم (9).

ثم إني رغبت في أن أدلي بدلوي بين الدلاء، وأضرب بسهم في هذا الموضوع، لا سيما أن جوانب منه ما تزال بحاجة إلى مزيد بحث وفضل تحرير؛ بدءاً من نشأة هذا الفن " الاقتباس " في ساحات البلغاء، ووقوف البلاغيين عليه، واكتشافهم إياه مصطلحاً قائماً بنفسه، ممتازاً عن غيره، ومنزلته من الألوان والفنون البديعية، إلى بيان أنواعه وما يتصل به، كإرسال المثل من القرآن والحديث، ثم تحرير الكلام في الحكم الشرعي للاقتباس من القرآن والسنة، تحريراً يستدعيه زماننا هذا حيث تطاول فئام من الشعراء والمغنين على كلام الله تعالى وامتهنوه باسم الاقتباس، إلى غير ذلك من المسائل والقضايا ذات الصلة بالموضوع.

وقد سار البحث في طريقين:

أحدهما: جمع ما قاله العلماء في باب الاقتباس، وتحرير ما يحتاج من كلامهم إلى تحرير ونقاش، وعزو المذاهب والآراء إلى أهلها، وبيان إفادة اللاحق من السابق، حسبما يقتضيه التسلسل التاريخي للقرون، وتواريخ الوفيات.

الثاني: تتميم الجوانب الناقصة والمهملة التي أغفلها السابقون، أو لم يشبعوا فيها القول، وإبداء الرأي فيما أخالف فيه الآخرين، إما بدليله أو بتعليله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير