أقول: إن عدول الإمام عن ذلك ما هو إلا للتنبيه على أنه لا يصح حديث في الباب، حتى إنه ربما اكتفى في الترجمة بلفظ حديث مشتهر، ومع ذلك لا يورده، وما هذا إلا للدلالة على ضعفه، أو وجود علة به تمنع من العمل به؛ يقول الحافظ ابن حجر: (هدي الساري ص / 14) " وربما اكتفى أحيانًا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث، لم يصح على شرطه، وأورد معها أثرًا، أو آية، فكأنه يقول: لم يصح في الباب شيءٌ على شرطي ". "
وأقول:
ماأظنه إشكالا نبع من عدم التفريق بين كون البخاري رحمه الله مثلا قد يعتقد صحة حديث ما ومع ذلك فلا يرويه في صحيحه - كما قال: أحفظ مئتي ألف حديث صحيح - وذلك راجع لعدة أمور منها: كونه لم يبلغ عنده الدرجة التي يستحق بها الحديث أن يخرج في الجامع،ومما يدل على ذلك أنه رحمه الله كان يقسم طلبة الراوي إلى طبقات ويروي بقدر الاستطاعة عن العليا،فمثلا تجده يقسم طلبة الزهري الأثبات إلى خمس طبقات،ثم يخرج في صحيحه لأهل الطبقة الأولى والثانية،وربما نزل إلى الثالثة،وأما مسلم فيخرج لها،وربما نزل إلى الرابعة،وهذا يعني أن استحقاق الحديث لديهما للإخراج في كتابيهما درجة أرفع من درجة الحكم على الحديث بالصحة،ومما يعين على تفهم ذلك مايراه من اطلع على سؤالات الترمذي للبخاري رحمهما الله في العلل الكبير من حكم للبخاري على أحاديث بالصحة ومع ذلك فلم يخرجها في صحيحه مع كونه قد يحتاج لبعضها.
ولذا فإننا نجد أن لدى البخاري صنعة حديثية قوية،فمثلا: نجده ينتقي من أحاديث الراوي،ومن ذلك أنه لم يخرج لخالد بن مخلد القطواني إلا عن سليمان بن بلال (وقد رد الحديث المعلمي واعتضد بتوهين الذهبي له وابن حجر،حيث قال الذهبي: ولولا هيبة الجامع الصحيح .. ) ولم يخرج لإسماعيل بن أبي أويس إلا عن مالك مع كون البخاري قد روى عنه في مواضع من كتبه ماحكم عليه هو بالصحة،ولما قدم إليه أمره أن يخرج إليه أصله فانتقى من حديثه،فقال له إسماعيل علم لي على الصحيح فأرويه،فاشار له على ذلك فلم يعد يروي إلا منها،ومع هذا فلم يخرج له إلا حديث مالك.
ومما يؤيد ذلك أن مسلما قال في مقدمته: وليس كل حديث صحيح أودعته في كتابي هذا،وإنما خرجت ماأجمعوا عليه (على خلاف في معنى هذه الكلمة،ومع ذلك انتقد عليه جمع من الحفاظ جملة من أحاديثه هي أكثر من ضعف ماانتقدوه على شيخه البخاري،وصنف في ذلك بعضهم،وانتُُقد عليه من الرجال 160 ولم ينقد على البخاري إلا 80 رجلا،بل إن البخاري قد يحكم على حديث بالحسن حين يسأله عنه الترمذي في العلل الكبير ومع ذلك تراه قد خرجه في صحيحه)
وألخص ماكتبته بأن أقول: بأن حكم البخاري أو مسلم رحمهما الله على حديث بالصحة لايعني وصوله إلى مرتبة تؤهله إلى إثباته في كتابيهما،إلا أنه يعتقد أو يظن صحة هذا الحديث ×ولكنه لم يبلغ إلى درجة وضعه في الكتاب،فيشير إليه عن طريق الترجمة،كما صنع البخاري مع حديث الدين النصيحة حيث جعل لفظه ترجمة ولم يذكره،وذكره مسلم لأن شروطه أيسر من البخاري،وهذا مايعنيه ابن حجر حين قال في مانقلتَ عنه: وربما اكتفى أحيانًا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث، لم يصح على شرطه، وأورد معها أثرًا، أو آية، فكأنه يقول: لم يصح في الباب شيءٌ على شرطي
وأعتذر من أمرين: الأول كوني أكتب من حفظي في المقام الأول لبعدي عن مكتبتي،والثاني: كوني مستعجلا مشوش الذهن.
ـ[الفقير إلى عفو ربه]ــــــــ[05 - 01 - 04, 11:06 ص]ـ
نص الشيخ: عبدالله السعد على أن سنن النسائي الكبرى ةالصغرى لم يخرج فيها النسائي إلا ماصح عنده،ومالم يصح لديه فإنه يتكلم عنه ..
ومن اراد الرجوع للفظ الشيخ فأذكر أنه قاله لنا في أوائل شرحه للموقظة (الليلة الثانية أو الثالثة)
ـ[الفقير إلى عفو ربه]ــــــــ[05 - 01 - 04, 11:16 ص]ـ
الترمذي رحمه الله يميل إلى التساهل نوعا ما في حكمه على الأحاديث،ومع ذلك فلا بد من مراعاة شرطه الذي نص عليه في تعريف الحسن لديه،فقد نص في العلل الصغير له على أنه يحكم على حديث بالحسن إذا اجتمعت في شروط ثلاثة مردها إلى تضعيف الخبر بعلة قادحة لديه،أو بأن في الحديث علة لم يتبين له الأمر فيها،وأضعف من ذلك مايزيد فيه فيطلق الغرابة مع الحسن
وأما الطبراني فقد كفانا مؤنة الحكم على معجمه الأوسط بأن قال عنه: وأودعته كل غريب ..
قال أبو داود: شر الأحاديث الغرائب
وقال نحو ذلك الإمام أحمد رحمه الله
وتحسن العودة إلى كلام الذهبي في أول الموقظة عن مسألة التفرد والغرابة بالنسبة للإسناد ..
ورحم الله الإمام أحمد فقد اجتمع بأحمد بن صالح المصري فلم يستطع أحدهما أن يزيد حديثا لايحفظه الآخر إلا الإمام أحمد ذكر حديثا واحدا لايحفظه أحمد بن صالح رحمه الله ..
ومعلوم أن الغرض من الإغراب خاصة في الطبقات التي تلي طبقة العقيلي ومسلم والترمذي هو الفخر والبروز،ومااشتهر من قصة الطبراني رحمه الله نفسه عند الخليفة دليل على ذلك ..
¥