[((إتحاف الأريب بمعنى قول الترمذى حسن غريب))]
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[01 - 05 - 04, 04:04 ص]ـ
الحمد لله المتعزِّز فى عليائه، المتوحِّد فى عظمته وكبريائه، النافذ أمرُه فى أرضه وسمائه، حمدا يكافئ المزيد من أفضاله ونعمائه، ويكون ذخراً لقائله عند ربه يوم لقائه. والصلاة والسلام الدائمان على المصطفى من رسل الله وأنبيائه، ورضى الله عن آله وصحبه وأصفيائه.
وبعد ..
فإنَّ ((جامع الترمذى)) كتاب على أكف القبول مرفوع. وفن الحديث فى طياته مبثوث لا مقطوع ولا ممنوع. أعجز من أتى بعده عن تحصيله. وأخمل همم النقاد الكملة عن تأويله أو تكميله.
فقد عُنى ببيان مرتبة الحديث من الصحة والضعف، ولكنه ذكر اصطلاحات زائدة عما ذكرها أهل الاصطلاح، وعن ذلك استشكل الحفاظ بعده جملة ً من أحكامه على درجات الأحاديث ومراتبها!.
ومما وقع فى كلام الترمذى فى ثنايا بيانه مراتب الأخبار، زائداً عما ذكره أهل الاصطلاح؛ قوله ((حسن غريب)). واستشكل جماعة من أهل الاصطلاح اجتماع الغرابة والحسن فى حديثٍ واحدٍ، وهذا باعتبار تعريف الغريب عندهم بأنه ((الحديث الذى يتفرد به راو إما فى متنه أو فى إسناده أو هما معاً))، وباعتبار تعريف الحسن عند الترمذى على ما أصلَّه فى ((العلل الصغير)) بقوله: ((وما ذكرنا فى هذا الكتاب حديث حسن، فإنما أردنا حسن إسناده عندنا، وهو كلُّ حديثٍ لا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون شاذاً، ويروى من غير وجهٍ نحو ذاك، فهو عندنا حديث حسن)).
ووجه الإشكال هاهنا: كيف يجتمع الحسن والغرابة، مع أن الترمذى اعتبر فى الحسن تعدد الطرق؟ كيف يكون غريباً والأمر كذلك؟. وقد حاول الشيخ عبد الحق الدهلوى فى ((شرح المشكاة)) رفع هذا الإشكال فقال: ((ويجيبون بأن اعتبار تعدد الطرق فى الحسن ليس على الإطلاق، بل فى قسمٍ منه، فحيث حكم باجتماع الحسن والغرابة، فالمراد قسم آخر. وقال بعضهم: أشار بذلك إلى اختلاف الطرق بأن جاء فى بعض الطرق غريباً وفى بعضها حسناً.
وقيل: الواو بمعنى أو بأنه يشكُّ ويترددُ فى أنه غريب أو حسن لعدم معرفته جزماً. وقيل: المراد بالحسن هاهنا ليس معناه الاصطلاحى، بل اللغوى، بمعنى ما يميل إليه الطبع، وهذا القول بعيدٌ جداً)) اهـ.
قلت: بل الأقوال كلُّها بعيدة عن مراد الترمذى بهذا الإصطلاح، سيما وقد أوضح هو معناه فى ثنايا تعقيبه على الأحاديث التى حكم عليها بأنها ((حسن غريب)). والظاهر أن الذى اختاره الشيخ عبد الحق الدهلوى هو الأول فى كلامه، وهو أبعدها عن مراد الترمذى لأمرين:
(أولهما) أنه لم يأخذ فى اعتباره رسم الحسن عند الترمذى، وأنه يشترط فيه تعدد الطرق؛ بقوله ((يروى من غير وجهٍ)).
(ثانيهما) أن الترمذى كثيراً ما أورد هذا الاصطلاح مقروناً بقوله ((وقد روى من غير وجه نحوه))، وبقوله ((وفى الباب عن فلان))، وهذا أقوى البراهين على إرادة الترمذى بقاء رسم الحسن على إطلاقه؛ أطلق اللفظ أو قرنه بالغرابة أو الصحة أو هما معاً.
واعتبر ما قلناه بأقوال الترمذى نفسه، تعقيباً على الأحاديث التى هذا حكمها عنده، فمن ذلك:
((أولاً)) خرَّج حديث قبيصة بن حريث عن أبى هريرة ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة))، فقال عقبه: ((هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقد رُوى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبى هريرة. ورُوى عن أنس بن حكيم عن أبى هريرة عن النَّبىِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)) اهـ.
((ثانياً)) خرَّج حديث نافع عن ابن عمر ((أن النَّبىَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم كان إذا أدخل الميت القبر، قال بسم الله، وعلى ملَّة رسول الله))، فقال عقبه: ((هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن عمر عن النَّبىِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم. وقد روى عن أبى الصديق الناجى عن ابن عمر موقوفاً)) اهـ.
وهذا كثير فى تعقبات الترمذى على الأحاديث التى على هذه الشاكلة. ومن أوضح الأمثلة الدالة على إرادة الترمذى بقاء رسم الحسن على إطلاقه، حتى ولو قرَّن لفظة ((حسن)) بلفظة ((غريب)) فى قوله ((حسن غريب)):
قال فى ((كتاب المناقب)) (3664):
¥