تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا أشك أن مراد ابن رجب بـ (بعض محدثي الفقهاء) ابن الصلاح لأنه هو الذي عاب تصرف الخطيب، وطمع في قوله في (الكفاية)، ولأن ابن الصلاح من (محدثي الفقهاء)!!

وأهم ما في كلام ابن رجب هذا، عندي هنا، هو أنه بين منشأ هذا الاختيار الذي رضيه ابن الصلاح، وأنه مذهب المتكلمين من الأصوليين والفقهاء.

أما كلام ابن رجب عن الخطيب، فبينا أن الخطيب على خلاف ما فهم من كلامه. ثم الأقوال التي ذكرها الخطيب في هذه المسألة، وإن كانت مأخوذةً عن كتب المتكلمين كما قال ابن رجب، إلا أن ظواهر أقوال وتصرفات كثير من المحدثين تدل عليها، ولذلك ذكرها الخطيب، ثم رجح الراجح الصواب مما يدل عليه باطن علم المحدثين وحقيقة مذهبهم.

ومع هذا التأثر الكبير بالأصول عند ابن الصلاح، إلى درجة ترجيح رأي الأصوليين، على رأي أهل الفن من المحدثين؛ إلا أنه زاد في بيان عمق هذا الأثر، وأنه تعمد مخالفة المحدثين إلى رأي الأصوليين، عندما قال في نوع (العمل): ((وكثيراً ما يعللون (يعني المحدثين) الموصول بالمرسل، مثل أن يجيء الحديث بإسناد موصول، ويجيء أيضاً بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول، وهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه)) (2).

إذن فابن الصلاح كان على علم بحقيقة رأي المحدثين من هذه المسألة، وأنهم كانوا كثيراً ما يقدمون المرسل على الموصول، مع ذلك رجح قول الأصوليين على قولهم!!!

فهذا المثال وما سبقه يكفي لإثبات عمق أثر أصول الفقه على كتاب ابن الصلاح، ولذلك أمثلة أخرى ليس هذا موطن استقصائها.

لكن زاد الأمر خطورةً في كتاب ابن الصلاح، بظهور بوادر (فكرة تطوير المصطلحات) السابق شرحها وبيان خطرها على السنة وعلومها (3). وهي تتلخص في تغيير مدلولات المصطلحات عما كانت عليه عند (أهل الاصطلاح) من المحدثين، إما بتضييق مدلول المصطلح، أو بتوسيعه!

ولذلك مثالان:

الأول: في مبحث (الحديث المعَل)، قال ابن الصلاح في تعريف العلة والحديث المعل، قال: ((وهي (يعني العلة): عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه. فالحديث المعلل: هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها)) (1).

كذا قيد ابن الصلاح (العلة) في الاصطلاح بقيد الخفاء وقيد القدح، مع أن ابن الصلاح نفسه يعلم أن اصطلاح المحدثين أوسع من ذلك بكثير!!!

قال ابن الصلاح في آخر مبحث (المعل) أيضاً: ((ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه، من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به، على ما هو مقتضى لفظ (العلة) في الأصل. ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح: بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح.

وسمى الترمذي النسخ علة من علل الحديث.

ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح، من وجوه الخلاف. نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط، حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم: من الصحيح ما هو صحيح شاذ)) (2).

إذن فابن الصلاح كان يعلم أن استخدام المحدثين للفظ (العلة) شامل: للعلة الخفية والظاهرة، والقادحة وغير القادحة؛ فلم قصره ابن الصلاح في (العلة الخفية القادحة)؟!!!

ثم ما هي فائدة هذا التدخل في تفسير المصطلح؟!!

ثم كم سيشوش هذا المعنى الذي ذكره ابن الصلاح لـ (العلة)، في فهم تعليلات الأئمة، فيما لو فهم كلامهم على ذلك المعنى الضيق المخالف لسعة معنى المصطلح

عندهم؟!!!

ثم انظر: كم قلد ابن الصلاح ممن جاء بعده في هذا التدخل؟!!

ولئن ذكر ابن الصلاح أن تفسيره لـ (العلة) في اصطلاح المحدثين يخالفه اصطلاحهم!!! فإن من جاء بعده ألقى بأقوال المحدثين المخالفة لذلك التفسير، واقتصر في تعريف (العلة) على تفسير ابن الصلاح لها (3)!!

وبذلك تزداد الهوة، ويفدح الخطر!!!

أما المثال الثاني: في مبحث (المنكر:

فيقول ابن الصلاح في هذا المبحث: ((وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أن النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثيرٍ من أهل الحديث، والصواب فيه التفصيل .. )) (4)

ويكفي هذا!

فإذا كان الحكم بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجوداً في كلام كثيرٍ من أهل الحديث، فكيف يكون صواب الاصطلاح خلاف ما عليه أهل الاصطلاح!!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير