قلت: وهذا حديث صحيح غريب، تفرد به معبد بن كعب بن مالك الأنصارى عن أبى قتادة، ولم يتابع عليه. ومعبد بن كعب مدنى ثقة قليل الحديث، خرَّج مالك حديثه فى ((الموطأ))، واحتجَّ به. وكذلك احتجَّا به فى ((الصحيحين))، على أن أبا حاتم الرازى لم يعرف حاله.
فقد ذكره ابن أبى حاتم فى ((الجرح والتعديل)) (8/ 279/1279): ((معبد بن كعب بن مالك. وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره. روى عن: أبى قتادة، وجابر بن عبد الله. روى عنه: محمد بن عمرو بن حلحلة، وأسامة بن زيد، ومحمد بن إسحاق، والوليد بن كثير. سمعت أبى يقول ذلك)) كذا قال أبو حاتم الرازى، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وقال أبو الحسن العجلى ((معرفة الثقات)) (2/ 285/1753): ((مدنى تابعى ثقة)). وذكره ابن حبان فى ((الثقات)) (5/ 432/5569)، واحتجَّ بحديثه فى ((صحيحه)).
وهذا من أوضح البيان وأفصحه أن معبد بن كعب الأنصارى الذى وصفه ابن حجر بقوله ((مقبول))، وتفرد بالرواية عن أبى قتادة، ولم يتابع، قد وثقه الأئمة وتلقوا حديثه بالقبول، وأودعوه صحاحهم. وفيه رد على من زعم أن المقبول إذا لم يتابع، فلا يحتج به!!.
(3) عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة بن جرثومة الأزدى. [خ]
قال البخارى فى ((الأدب)) (6075): حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري حدثني عوف بن مالك بن الطفيل هو ابن الحارث وهو ابن أخي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأمها أن عائشة حُدِّثَتْ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ: وَاللهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَهُوَ قَالَ هَذَا، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَتْ: هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا، فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طَالَتِ الْهِجْرَةُ، فَقَالَتْ: لا وَاللهِ لا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا، وَلا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِيَغُوثَ، وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا لا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قَطِيعَتِي، فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا، حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالا: السَّلامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَنَدْخُلُ؟، قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا، قَالُوا: كُلُّنَا، قَالَتْ: نَعَم ادْخُلُوا كُلُّكُمْ، وَلَا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ، فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ، وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا، وَيَبْكِي، وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إِلا مَا كَلَّمَتْهُ، وَقَبِلَتْ مِنْهُ، وَيَقُولانِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ، طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا نَذْرَهَا، وَتَبْكِي، وَتَقُولُ: إِنِّي نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ فَلَمْ يَزَالا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا.
وأخرجه كذلك عبد الرزاق (8/ 444/15851)، وأحمد (4/ 327)، وابن حبان (5662) ثلاثتهم عن معمر، والبخارى ((الأدب المفرد)) (397) عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، والطبرانى ((الكبير)) (20/ 31:21/ 27،25،24) عن معمر وعبد الرحمن بن خالد وعبيد الله بن أبى زياد الرصافى، والبيهقى ((الكبرى)) (6/ 61) عن الرصافى، ثلاثتهم عن الزهرى عن عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة عن عائشة به.
وأخرجه أحمد (4/ 327) قال: ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي ثنا الزهري عن الطفيل بن الحرث وكان رجلا من أزد شنوءة وكان أخاً لعائشة لأمها أم رومان .... فذكر الحديث بنحوه.
قلت: هكذا ضبط معمر هذا الاسم، فقال ((عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة))، وهو الحجة فى حديث الزهرى، ووافقه عليه الجماعة، بينما قال شعيب ((عوف بن مالك بن الطفيل بن الحارث))، فوهم فى الاسم، إلا أنه أقام متنه وجوَّده. وأبعد الأوزاعى إذ قال ((الطفيل بن الحارث))، وإنما هو ((عوف بن الحارث))، والقول لمعمر.
والخلاصة، فهذا حديث صحيح غريب، تفرد به عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة الأزدى. وقد ذكره البخارى فى ((التاريخ الكبير)) (7/ 57/261)، وابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل)) (7/ 14/66)، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وذكره ابن حبان فى ((الثقات)) (5/ 275). وقال فى ((مشاهير علماء الأمصار)) (ص74): ((عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة الأزدي، والطفيل أخو عائشة لأمها من الرضاعة. من جلة أهل المدينة)). وقال الحافظ الذهبى ((الكاشف)) (2/ 101): ((عوف بن الحارث الأزدي. عن: عمته عائشة وعدة. وعنه: هشام بن عروة، ومحصن بن علي، وجماعة. وثق)).
وهذا البيان مما تقام به الحجة على من زعم أن ((المقبول)) لا يحتج بحديثه حتى يتابع، إذ لا متابع لعوف بن الحارث، وقد صححه حديثه الأئمة: البخارى، وابن حبان. ووافقهم الحافظ ابن حجر، فدل صنيعه ذاك على توثيق ((المقبول)) عنده.
وللحديث بقية، إن شاء الله مولانا، فهو ملاذنا ومأوانا، فتعم المولى ونعم النصير.