تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تعددت أقواله في هذا الراوي (أسامة) واختلفت أيضاً فقال فيه: "مختلف فيه، وعلق له البخاري قليلاً" (). وقال عنه: "سيئ الحفظ" (). وفي موضع آخر قال: "فيه مقال" (). وقال أيضاً: "صدوق في حفظه شيء، أخرج له مسلم استشهاداً" (). وقال أيضاً في نقده لحديث من روايته: "وهو لين، وقال الدارقطني: تفرد عثمان بن عمر بهذه الزيادة، وقد رواه ابن وهب عن أسامة وهو أعلم الناس بحديثه" (). وقال: "صدوق يَهِمُ" (). ويبدو أن الحافظ ابن حجر اقتنع بعد دراسة أحواله ومروياته أن حديثه حسن فحسنه ().

المبحث الرابع: تعريف موجز بالإمام يحيى بن معين.

هو (ع) يحيى بن معين بن عَوْن بن زياد المُرِّيُّ الغطفاني، أبو زكريا البغدادي الحافظ، مولى غطفان، إمام أهل الحديث في زمانه والمشار إليه من بين أقرانه، وهو كما وصفه الخطيب البغدادي: "كان إماماً ربانياً، عالماً، حافظاً، ثبتاً، متقناً" () اختاره الله - سبحانه وتعالى - من بين رهط مبارك؛ لحفظ سنة نبيه ? والذَّبِّ عنها، وجمع له ما حفظه اثنا عشر عَلَماً من علماء الأمة في البصرة، والكوفة والحجاز ()، حتى أصبح متميزاً من بين خاصة أهل الحديث وأعلمهم بصحيح الحديث وسقيمه" ().

تخصص يحيى بن معين بمعرفة الرجال حتى إذا اختلف أساطين العلم رجعوا إليه كما ورد عن علي بن المديني وأحمد بن حنبل (). وجَنَّد نفسه من نعومة أظفاره وأفنى حياته وما يملك حتى توفاه الله - عز وجل - في خدمة حديث النبي ?، فقد ورث عن أبيه "ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه" () وكان يقول: "كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث. قال أحمد - راوي الخبر -: وإني أظن أن المحدثين قد كتبوا له بأيديهم ستمائة ألف، وستمائة ألف" ().

ورحل كثيراً في طلب الحديث، وكان صبوراً على طلب العلم، فهذا مظفر بن مُدْرِك الخراساني نزيل بغداد - ثقة متقن، كان لا يُحَدِّث إلا عن ثقة ت 207ه- كان أول من جاء إليه مع الإمام أحمد، ولم يحدِّثهم سنة شيئاً، فعدّوا الأيام، فلما تمت السنة جاؤوا فحدَّثهم" ومنه تعلم صنعة الحديث ومعرفة الرجال ().

وكان حريصاً على سؤال بعض الشيوخ الكبار في أول لقائه بهم والتعرف عليهم، فحينما قدم حران مع الإمام أحمد للقاء عبد الله بن محمد النفيلي - ثقة حافظ ت 234ه- سأله وهو يعانقه قال: "يا أبا جعفر. قرأت على معقل ابن عبيد الله عن عطاء (أدنى وقت الحائض اليوم؟) فقال له أبو عبد الله - يعني الإمام أحمد - لو جلست؟ قال: أكره أن يموت أو يفارق الدنيا قبل أن أسمعه" (). وكان يقول: "كتبت بيدي ألف ألف حديث، وكل حديث لا يوجد ها هنا - وأشار بيده إلى الأسفاط - فهو كذب" (). ورغم هذا الكم الهائل من الحديث كان كما يقول ابن سعد: " ... وكان لا يكاد يحدث" ().

ولعل السبب في ذلك ما ذكره أبو زرعة: "لم ينتفع بيحيى؛ لأنه كان يتكلم في الناس" ().

وقد اعتنى بمعرفة الرجال وأحوالهم، حتى إن الحافظ الذهبي عَدَّه من الذين تكلموا في أكثر الرواة ()، وصنفه ضمن المتعنتين في الجرح والمتثبتين في التعديل، يغمز الواحد منهم الراوي بالغلطتين والثلاث ويلين بذلك حديثه، ثم وصف هذا القسم وأصحابه بأنه "إذا وَثَّقَ شخصاً فعض على قوله بناجذيك، وتمسك بتوثيقه، وإذا ضَعَّفَ رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه؟ فإن وافقه، ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه: لا يقبل تجريحه إلا مفسراً يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: هو ضعيف، ولم يوضح سبب ضعفه، وغيره قد وثقه، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه، وهو إلى الحُسن أقرب. وابن معين وأبو حاتم، والجوزجاني: متعنتون" ().

وبسبب كثرة السائلين له عن الرجال تعدَّدت أقواله واختلفت، يقول الحافظ السخاوي: "يحيى بن معين وقد سأله عن الرجال غير واحد من الحفاظ، ومن ثَمَّ اختلفت آراؤه وعباراته في بعض الرجال، كما اختلف اجتهاد الفقهاء، وصارت لهم الأقوال والوجوه، فاجتهدوا في المسائل كما اجتهد ابن معين في الرجال" ().

ولمعالجة هذه الظاهرة عند ابن معين كان هذا البحث محاولةً للوصول إلى طرق يوفق فيها وتجمع أقواله المختلفة، والخطوات التي ينبغي سلوكها لمعرفتها والتثبت منها، وكذلك تمييزها والوصول إلى نتائج مبنية على قواعد النقاد ومسالك بحثهم، وبالله التوفيق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير