تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأورد ابن الأثير في المادة نفسها (): " (س) يعني أنَّ المَرْضِيَّ المنتخب من الناس في عزَّة وجوده، كالنجيب من الإبل القوي على الأحمال والأسفار الذي لا يوجد في كثير من الإبل. قال الزهري: ........... ". وهذا كله ليس في كتاب أبي موسى ()، وإنَّما في كتاب أبي موسى نصّ الحديثين: "لا تبع الثمرة"، و"الناس كإبل مئة".

بناءً على هذا أرجِّح أن تكون علامتا (س، ه) الواردتان في"النهاية"رمزين لاقتباسه نصَّ حديث غريب من كتابَيْ الهروي وأبي موسى، ولا تدلان على اقتباس مادة علمية في شرح الحديث الغريب.

وننتقل إلى الجانب الثاني من الاقتباس: هل كان ابن الأثير يلتزم بدقةٍ هذين الرمزين؟ تبيَّن لنا أنَّ الالتزام ليس بدقيق. من ذلك قول ابن الأثير () في مادة (أبن): "س، وفي حديث المبعث: هذا إبَّان نجومه". وهذا الحديث لم يرد عند أبي موسى. وقول ابن الأثير () في مادة (أبه): "س، ومنه حديث عائشة في التعوذ من عذاب القبر: "أشيءٌ أَوْهَمْتُه لم آبَهْ له". وهذا الحديث لم يَرِدْ عند أبي موسى.

وهذه أمثلة من الموازنة بين النهاية والغريبين:

في"النهاية" (): "ه: ومنه حديث تبوك: "والعين تَبِضُّ بشيء من ماء". ولم يرد هذا الحديث في"الغريبين".

وفي"الغريبين" (): "أنَّه كان يُبْعِد في المذهب إلى الخلاء". وورد في"النهاية" () من غير إشارة إلى كتاب الهروي.

وورد في"الغريبين" (): "العجوةُ شفاءٌ من السّم ونزل بَعْلُها من الجنة"وورد كذلك في"النهاية" () من غير أن يتقدمه الحرف (ه).

وثمة احتمال قوي عندي بأنَّ أصل النسخة الخطية التي كتبها ابن الأثير أو كتب توثيقه عليها، حدَّدَت بدقة ما اقتبسه من أحاديث غريبة من كتابَيْ أبي موسى والهروي، بيد أنَّ هاتين العلامتين (ه، س) أصابهما الاختلاط لدى النسَّاخ الذين كانوا لا يميزون بين العلامتين، أو لا يتقيدون بإثباتهما، فلم يَعُدْ لهما مع تعدُّد النسخ قيمة موضوعية في التحديد الدقيق لمصدر الأحاديث، فما هو لأبي موسى قد يُسْبَق بـ: (ه)، وما هو للهروي قد يُسْبَق بـ: (س)، وما هو من غيرهما قد يُسْبَق بإحدى هاتين العلامتين

وبناءً على ما سبق فإنَّ ثمة مأخذاً على ابن الأثير يَرِدُ على ظاهر ما هو مُسَجَّلٌ في النسخة المطبوعة من كتابه، فلم يكن دقيقاً في تحديد ما اقتبسه من كتابي الهروي وأبي موسى من أحاديث غريبة. والراجح لديَّ أنَّ ذلك ليس مَأْخذاً عليه، وإنما كان ملتزماً بالتعيين الدقيق على أصل نسخةٍ لديه، ثم تعاوره النُّساخ بالتبديل والعبث، فلم يعد لهذه العلامات قيمة موضوعية، وضاع التحديد الدقيق الذي يريده من العَزْوِ. والله أعلم.

الخاتمة

تتبَّعتُ في الصفحات السابقة نصوص اللغويين؛ لأصلَ إلى معاني مادة"غرب"ودلالتها، وحاولتُ أن أفسِّر نشأة علم الغريب، وأسباب هذه النشأة، واستعرضتُ حركة التأليف فيه ومناهج العلماء في خدمة حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد تبيَّن لي أنَّ معظم علماء اللغة المتقدمين قد تركوا مؤلفات مختصرة أو مطوَّلة في هذا الحقل، وقد انتخبتُ أشهرَ المؤلفاتِ في هذا العلم للتعريف بها.

ثمَّ شرعتُ في التعريف بمجد الدين بن الأثير ومقدمة كتاب"النهاية"، وفصَّلتُ في معالم منهجه، وأوجه عنايته بتفسير الغريب، وقسَّمتُ هذه العناية إلى جانب التأصيل اللغوي، وجانب البيان المعنوي، ثمَّ تحدثتُ عن أهمية معجم"النهاية"، وأشرتُ إلى شيء من المآخذ التي أخذتُها على ابن الأثير، ومعجم"النهاية"في الحقيقة غنيٌّ يستحقُ المزيدَ من الوقفات العلمية المطوَّلة.

ويسرُّني من خلال هذه الندوة المباركة أن أوصي بما يلي:

1 ـ أن تُعنى أقسامُ الحديث الشريف واللغة العربية في الجامعات الإسلامية بجمع تراث غريب الحديث، وتسعى في تحقيقه تحقيقاً علمياً يناسب أهميته، وذلك لأنَّ خدمة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبادة جليلة ينبغي أن ننهضَ لها، ونتابع السلف الصالح في العناية بها.

2 ـ تبيَّن لنا من خلال البحث طرف من اختلافات علماء الغريب في تحديد دلالة بعض الألفاظ الغريبة ومعانيها، ومن هنا فإنَّ تفسير أحد العلماء للفظةٍ غريبة وردت في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يجوز أن يُقطع به. وعلى الباحثين أن يصلوا إلى معرفة مجمل الآراء التي أدلى بها علماءُ السلف في تفسير هذا الغريب، فلا يجوز استنباط أحكام شرعية أو القطع في معاني ألفاظ الحديث إلا بعد الاطلاع على أقوال العلماء كافة.

3 ـ أُوصي بتأليف معجمين لغريب الحديث، أحدهما مطوَّل يشتمل على الأحاديث والآثار التي حوت ألفاظاً غريبة، ويبيِّن أقوال العلماء في تفسيرها، ويشيرُ إلى صحتها أو ضعفها، والثاني مختصر يكون بين أيدي أهل العلم عامة، ويحرصُ هذان المعجمان على الاستفادة من تراث علم الغريب على منهجٍ ميسورٍ مرتَّب ترتيباً معجمياً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?s=&threadid=19683

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير